Page 34 - merit 48
P. 34

‫فلغة الكلمات ليست هي التي يتم تقييمها‬                  ‫إن ارتباط النقد بمظاهر الإبداع‬
   ‫بلغة الكلمات‪ ،‬وإنما تقوم لغة الكلمات‬
   ‫بتقييم لغة الصلصال في التمثال ولغة‬                   ‫الفني لا يختلف في نوعيته عن‬
    ‫التشكيل في اللوحة(‪ )28‬على حد تعبير‬
    ‫الأستاذ «خلدون الشمعة»‪ ،‬وتلك هي‬                ‫ارتباط الشعر باللغة الموضوعة‪ ،‬ولا‬
   ‫الحدود التي تفصل بين النقد الأدبي‬
   ‫والنقد الفني‪ ،‬في حين تبقى اللغة هي‬              ‫عن ارتباط فن العمارة بمواد البناء‪،‬‬
    ‫الجامع بينهما والمحددة لقيمة العمل‬
                   ‫الأدبي‪ ،‬فكيف ذلك؟‬                  ‫وهذا الارتباط بين الفن وأدواته‬
    ‫إن فعالية أي عمل نقدي تتوقف على‬
   ‫مدى فعالية لغته الإجرائية‪ ،‬وهي لغة‬                 ‫لا ينفي استقلاله الذاتي‪ ،‬وقيامه‬
   ‫تتميز بخصوصيتها الاصطلاحية(‪،)29‬‬
  ‫إذ يبرز المصطلح أحد نتاج خلية اللغة‬                   ‫كوجه خاص من وجوه النشاط‬

 ‫‪-‬فلا تلفظه‪ -‬فيصبح إحدى انشغالاتها‬                ‫الفكري والإنساني‪ ،‬خصو ًصا إذا تعلق‬
‫ويصير ملكتها‪ ،‬وخلاصة هذه اللغة عبر‬                     ‫الأمر بالنقد كفن يعنى بتحقيق‬

  ‫كافة مستوياتها‪ ،‬فهو مصطلح حي ما‬                  ‫قيم الحياة ومعنى الوجود الصحيح‬
‫حييت اللغة‪ ،‬وإبداعي يستطيع أن يصوغ‬
                                                                        ‫في‪ ‬النتاج‪ ‬الأدبي‪.‬‬
    ‫لنا الأثر الأدبي في نسيج متفرد(‪.)30‬‬
 ‫لأنه متأصل في عمق المعرفة‪ ،‬ينفذ منها‬                   ‫النقد فن تقويم الأعمال الأدبية والفنية وتحليلها‬
‫ويعود إليها‪“ ،‬يبني على تصورها وينأى‬                    ‫تحلي ًل قائ ًما على أساس علمي‪ ،‬كما أن التصورات‬
‫بها عن أن تكون ملتبسة أو مراوغة‪ ،‬كما‬
  ‫أنه ينبني على تصور للعقل‪ ،‬ين َّزه عن أي شك في‬          ‫الحديثة لمفهوم النقد ومهمته‪ ،‬لم تعد كما كانت‬
                                                     ‫عليها في الماضي‪ ،‬ولم تعد المشكلات الأساسية التي‬
   ‫قدرته على الوصول إلى المعرفة وإدراك حقيقتها‬
                                 ‫وجوهرها»(‪.)31‬‬          ‫تستوقف النقد الحديث كتلك التي كانت تعترض‬
                                                       ‫طريق النقد القديم‪ ،‬فقد استطاع النقد الحديث أن‬
‫ولما كانت «المصطلحات في شتى العلوم مجرد ممر‬             ‫يكشف آفا ًقا جديدة تتصل بالأعمال الأدبية‪ ،‬كما‬
     ‫عارض‪ ،‬فإنها في النقد الأدبي مقصودة لذاتها‬      ‫استطاع أن يفسر الكثير من القيم الفنية الأصيلة في‬
                              ‫في بعض وجوهها‬
                              ‫وأص ًل معرفيًّا في‬              ‫الأدب العربي التي أغفلها النقد القديم(‪.)27‬‬
                            ‫كل الأحوال‪ ،‬يندرج‬           ‫وما جعله (أي النقد الحديث) يتميز عن الأنظمة‬
                         ‫ضمن المعارف اللغوية‪،‬‬
                           ‫فض ًل عن كونها أداة‬            ‫الفكرية والعلمية‪ ،‬أنه يضطر لاستخدام الأداة‬
                              ‫تؤدي معنًى‪ ،‬وفي‬       ‫نفسها التي ينتمي إليها الفن الذي يشكل موضو َعه‪،‬‬
                          ‫نفس الوقت تستوقف‬           ‫لهذا فلغته تتناول بالسبر والاستقصاء والتمحيص‬
                              ‫بشكلها الصياغي‪،‬‬
                         ‫ومظهرها التركيبي(‪،)32‬‬            ‫لغة أخرى‪ ،‬إنه أداة لغوية مكرسة لدراسة لغة‬
                              ‫وهذا الارتباط بين‬        ‫العمل الأدبي البيانية والدلالية‪ ،‬وهذه هي المفارقة‬
                          ‫المصطلح والنقد يقوي‬         ‫فيما يتصل بتجربة النقد الأدبي‪ ،‬باعتبارها تشكل‬
                         ‫بداخله معامل الارتباط‬
                          ‫حتى يحقق غاية نبيلة‪،‬‬          ‫مجا ًل لإنشاء لغة يتم تشييدها فوق لغة أخرى‪،‬‬
                                                        ‫بينما تختلف أداة النقد عن مادته في النقد الفني‪،‬‬
   29   30   31   32   33   34   35   36   37   38   39