Page 35 - merit 48
P. 35

‫‪33‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

    ‫فالمصطلح عندما تختلف دلالته عند مستخدميه‬             ‫لطالما نادت بها نظرية الأدب في منحاها نحو علمية‬
   ‫يفقد صفته الأصلية ولا يعود مصطل ًحا(‪ .)35‬لهذا‬          ‫النقد كرد فعل مناهض للإغراق في ذاتيته وتعميم‬
 ‫ع َّد المصطلح النقدي مفتاح من مفاتيح العلوم حين‬           ‫الأحكام دون تحديد هوية القضايا(‪ .)33‬فالمصطلح‬
   ‫يأتلف مع العلم الذي هو بمنزلة الشيء على حد‬            ‫النقدي إ ًذا‪ ،‬جزء من المصطلح العام وهو اللفظ الذي‬
                                                          ‫يسمي مفهو ًما معينًا داخل تخصص‪ ،‬ولا يلزم من‬
     ‫تعبير أرسطو في نظرته إلى المصطلح بقوله إنه‬           ‫ذلك أن تكون التسمية ثابتة في جميع العصور ولا‬
 ‫عبارة تشير إلى جوهر الشيء‪ ،‬أو بمعنى آخر تدل‬
 ‫على ما هو الشيء(‪ .)36‬وقد يتحقق له الاستقرار في‬              ‫في جميع البيئات ولا لدى جميع الاتجاهات‪ ،‬بل‬
                                                         ‫يكفي مث ًل أن يسمي اللفظ مفهو ًما نقد ًّيا لدى اتجاه‬
    ‫اللغة العربية أو في أية لغة أجنبية أخرى‪ ،‬ف ُيولد‬
   ‫من خلال تأمل وإدراك متكاملين ومعرفة شاملة‬              ‫نقدي ما‪ ،‬ليعتبر من ألفاظ ذلك الاتجاه النقدي أي‬
   ‫وتلقائية طبيعية بالمفهوم والفكرة والوضوح‪ ،‬أو‬                                           ‫مصطلحاته(‪.)34‬‬
  ‫بعبارة أخرى‪ ،‬بعد مخاض طويل من التجربة(‪،)37‬‬
   ‫إلى أن يأخذ طابع الديمومة ثم الشيوع والتواطؤ‬             ‫ومنه فالمصطلح النقدي جزء من الدرس النقدي‬
                                                            ‫والكتابة النقدية أو أدب النقد‪ ،‬فإنه ذو علاقة بل‬
                        ‫ويصبح عل ًما قائ ًما بذاته‪.‬‬      ‫علاقات متعددة بغيره من ميادين المعرفة من علوم‬
   ‫يحتفظ المصطلح النقدي بأغلب صفات المصطلح‬
                                                              ‫وفلسفة وفنون‪ .‬وهو من خلال هذه العلاقات‬
     ‫عمو ًما‪ ،‬ولا يتميز عن هذا الأخير إلا من خلال‬         ‫يكشف عن تاريخه العريق بوصفه مصطل ًحا‪ ،‬وفي‬
       ‫الحقل المعرفي‪ ،‬الذي ُيك ِسب المصطلح النقدي‬          ‫حالة استعماله في النقد ‪-‬على سبيل المثال‪ -‬يتجلى‬
                                                         ‫بعده الآني الواقعي‪ .‬فهناك علاقة وثيقة ودائمة بين‬
  ‫خصوصية مفهومية؛ ناجمة عن ارتباطه بالمعرفة‬              ‫المصطلح والمبدع والمتلقي‪ ،‬كما أن له علاقة بالواقع‬
 ‫الأدبية‪ ،‬أو مجال التفكير في الأدب نظر ًّيا وتحليليًّا‪،‬‬  ‫الاجتماعي والثقافي‪ ،‬لذلك فإن تعدد دلالة المصطلح‬
  ‫ولو سقنا تحدي ًدا سري ًعا للمصطلح النقدي‪ ،‬فإننا‬         ‫واختلافها‪ ،‬هما دليل على وعي مستخدم المصطلح‬
                                                            ‫بهذا التعدد وذلك الاختلاف‪ ،‬وإذا انعدم مثل هذا‬
     ‫سنعتبره رم ًزا لغو ًّيا (مفر ًدا أو مركبًا) أحادي‬
   ‫الدلالة‪ ،‬منزاح نسبيًّا عن دلالته المعجمية الأولى‪،‬‬         ‫الوعي تحول المصطلح أو التعبير الاصطلاحي‬
  ‫يعبِّر عن مفهوم نقدي محدد وواضح‪ ،‬متفق عليه‬                 ‫إلى ضرب من الازدواجية والتعقيد‪ ،‬وأخي ًرا إلى‬
     ‫بين أهل هذا الحقل المعرفي(‪ )38‬ولا شيء يجعل‬              ‫الفوضى في الفهم والاستيعاب والاستعمال‪ ،‬لا‬
   ‫هذا التحديد للمصطلح النقدي مختل ًفا عن طبيعة‬
   ‫التحديد الذي طال المصطلح مج َّر ًدا‪ ،‬إلا كونه قد‬            ‫سيما إذا ارتبط المصطلح بالقضايا السياسية‬
    ‫تحيَّن‪ ،‬من خلال حمولته الدلالية في إطار مجال‬                           ‫والاجتماعية فض ًل عن الثقافية‪.‬‬
  ‫الدراسات الأدبية‪،‬‬
‫ومع ذلك نجد كثي ًرا‬
    ‫من المصطلحات‬
 ‫النقدية التي جاءت‬
   ‫في كتابات الن َّقاد‬
    ‫القدماء‪ ،‬لا تزال‬
    ‫إلى اليوم تحمل‬
   ‫في طياتها دلالات‬
‫النقد الحديث وتمثل‬
‫أصول اللغة المعرفية‬
    ‫العربية بامتياز؛‬
  ‫فاحتفظ المصطلح‬
   ‫النقدي بالتجاور‬
   30   31   32   33   34   35   36   37   38   39   40