Page 33 - merit 48
P. 33
31 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
هذا وقد تطور مفهوم النقد
بعد ذلك واستعمل الأدباء
العرب مصطلح النقد
ومفهومه لنقد الكلام،
شعره ونثره ،على حد
سواء ،بداية من القرن
الثالث الهجري .يقول
البحتري عن أبي العباس
ثعلب« :ما رأيته ناق ًدا
للشعر ،ولا ممي ًزا للألفاظ،
ورد عليه آخر فقال :أما
نقده وتمييزه فهذه صناعة
أخرى ،ولكنه أعرف الناس
بإعرابه وغريبه ،وألف
قدامة ابن جعفر كتابيه:
محمد عزت جاد عبد السلام المسدي خلدون الشمعة «نقد الشعر» و»نقد
النثر»(.)20
المادة الفنية ،وفهم طرق تكوينها ونموها بالشكل فالنقد عندهم ،دراسة الأشياء وتفسيرها وتحليلها
الدائم التجدد والتفرد الذي يهدف إليه النقد( .)24لكن
إذا تصورنا مجتم ًعا إنسانيًّا خاليًا من الفنون ،فأي وموازنتها بغيرها ،كالمشابهة أو المقابلة ،ثم الحكم
مكان يبقى للنقد في هذا المجتمع؟ عليها ببيان قيمتها ودرجتها( ،)21فهو بذلك فاعلية
إن ارتباط النقد بمظاهر الإبداع الفني لا يختلف
في نوعيته عن ارتباط الشعر باللغة الموضوعة، فكرية وذوقية نستطيع بواسطتها فهم المسائل
ولا عن ارتباط فن العمارة بمواد البناء ،وهذا الأدبية وشرحها وتحليلها وإصدار أحكام مناسبة
الارتباط بين الفن وأدواته لا ينفي استقلاله الذاتي،
بشأنه( ،)22مما جعل بعض الدارسين المعاصرين
وقيامه كوجه خاص من وجوه النشاط الفكري يعتبره فنًّا متفر ًدا معل ًل ذلك بقوله« :وإنما دعيناه
والإنساني( ،)25خصو ًصا إذا تعلق الأمر بالنقد كفن فنًّا لأن أصحابه يعالجون أفكارهم فيه معالجة
يعنى بتحقيق قيم الحياة ومعنى الوجود الصحيح
في النتاج الأدبي ،ولا يتم ذلك إلا إذا ارتبطت قواعد فنية ،فهم يعنون بعباراتهم كما يعنون بمعانيهم،
الفن بالمبادئ والنظرات التي توحد حياتنا وترشد
فمثلهم مثل الأدباء يحاولون التأثير في قرائهم»()23
سلوكنا ،فالأدب والفن شكلان من أشكال تعبير
والنقد شرح وتفسير لهما ،فالأديب يكتب ليقول من خلال المعاني التي يفسرون بها قيم الآثار
شيئًا ،وعلى الناقد أن يكشف ما أراد الأديب أن
الأدبية والأساليب التي يعرضون بها هذه المعاني،
يقوله»(.)26
وهذا ما يبرر ظهور مفاهيم جديدة في العصر وبذلك أصبح معتر ًفا به وفار ًضا نفسه على الساحة
الحديث ،ينطلق أصحابها من مواقف محددة لدور الأدبية ،كفن له أصوله ومقاييسه ومدارسه
الأدب في الحياة ،وأصبح للنقد مدارس واتجاهات،
إذ تأثر النقاد العربي بالنقد الغربي الذي يرى أن وتقاليده الخاصة التي تبعده عن وضعه القديم،
حيث كان ملح ًقا بالفنون الإبداعية الأخرى.
“وأكبر دليل على استقلال النقد الحديث عن الفنون
التي يتخذها ماد ًة وغذا ًء ،أنه في حرصه على النفاذ
إلى صميم العمل الفني يضطر دائ ًما إلى الخروج من
دائرة هذه الفنون إلى آفاق أخرى كالعلوم اللغوية
والمنطق وعلم النفس وغيرها ،ليستعير منها معارف
ومعلومات ورسائل استقصاء تعينه على تحليل أرسطو