Page 36 - merit 48
P. 36
العـدد 48 34
ديسمبر ٢٠٢2
المصطلح ونقد النقد بين الدلالتين المعجمية والمصطلحية ،بالنظر إلى
ذاتية إنتاجه ،إلى أن أصبح عند البعض عل ًما قائ ًما
قلي ًل ما يلتجئ الباحثون إلى جنس أدبي هو نقد
النقد ،تصير فيه الكتابة هي الثالثة بعد كتابة الناقد بذاته ،أو كما عبر عن ذلك الدكتور عبد السلام
المسدي عندما جعل النقد عل ًما من العلوم بقوله:
وبعد الأثر المنقود ،حيث يصبح الباحث مطالبًا
هو الأخر بمعرفة هذا الأثر المنقود ،ويزداد الأمر «وما النقد إلا علم من العلوم(.)39
فسلطة المصطلح وفق هذا التصور تنطلق من
صعوبة عندما يتعلق الأمر بموضوع متشعب جذره اللغوي الذي يختلف عن دلالته العامة« ،لأنه
لم تتضح معالمه بعد( ،)44كما لا يجب أن يتجاوز لغة داخل لغة ،ولكنه يتميز عنها عندما يتحول
أسلوب النقاد ما هو مطلوب من العمل النقدي لأن إلى لغة خاصة ،داخل لغة عامة تنشأ نتيجة لوعي
ذلك يسقط الناقد في الحشو والخروج عن الموضوع خاص ،بمعرفة خاصة من ناحية ،ووعي خاص
بدلالة الكلمات من ناحية أخرى( ،)40ويؤكد الدكتور
ظا ًّنا منه إعلاء نسبة الإعلام في عمله النقدي، محمد عزت جاد هذا الطرح إذ يقول« :إن المصطلح
ولكن العكس هو الذي يحصل إذ لا يصنع أسلو ًبا النقدي أحد أعمدة اللغة التي تنبني على لغة ثانية،
وتنبني عليها لغة أخرى ،وبين المستويات اللغوية
ويتجاوز كثافة الفهم والتفسير الملائمة لتلقى الثلاثة من الروابط ما هو أقوى من الفواصل»(،)41
الرسالة ويصبح مشار ًكا للكاتب ومؤو ًل لنصه(.)45 وهذه الروابط جعلت من اللغة القاعدة التي يستند
إليها المصطلح ،وينطلق منها في علاقاته بغيره من
كلما تعددت الفرضيات المسبقة في الممارسة
النقدية ،كلما ضاعت السبل المؤدية إلى فهم النص ميادين المعرفة(.)42
من حيث هو ،كونه مستقل ومقنع في ذاته ..وأن والجدير بالذكر أن ما نقصده بالمصطلح النقدي
الناقد التي يتقيد بفرضيات نظرية دقيقة وصارمة لا يعني أنه حكر على مجال النقد وحده ،بل يشمل
ويسعى إلى تطبيقها على النص بطريقة حرفية لا مصطلحات علوم أخرى من قبيل« :الأدب ،والبلاغة،
أثر فيها للمرونة ،إنما يعمل في حقل مليء بالحواجز والعروض والقافية وغيرها من المجالات المعرفية،
ويكون مهد ًدا بالإخفاق في كل خطوة يخطوها إلى فهناك المصطلح النقدي الشعري ،والمصطلح النقدي
السردي والمصطلح النقدي السيميائي .وهلم ج َّرا»،
الأمام(.)46 ومنه فإن ما يميز بعضها عن بعض هو اختلاف
نقد النقد نشاط فكري نوعي ،قديم في مادته ،حديث مصطلحاتها ومدى دقتها ،فالمصطلح إذن «علاقة
دالة مح ِّددة لحقل معرفي معين ،أو قل إنه يسم
في مصطلحه ،له علاقة بكثير مما دارت حوله الخطاب ويعلمه ،ونظ ًرا لهذه الأهمية التي يشغلها
مناظرات العرب القدامى ومساجلاتهم ،من قضايا في الحقول المعرفية عامة وخطاب نقد النقد خاصة،
أدبية وبلاغية ونقدية نظرية وتطبيقية لم نشك في فإنه يتعين على إجرائية المصطلح أن تتمثل مجموعة
من القيود والضوابط النظرية والمنهجية التي تحكم
دلالاتها(.)47 عملية وضع وتوليد المصطلح وكيفية الاشتغال
يبقي المبدع مبد ًعا كيفما كان (شاع ًرا ،أوقصا ًّصا
به( ،)43خصو ًصا إذا تعلق الأمر بنقل مصطلح
أوكاتبًا مسرحيًّا) ،يرى العالم ويكتب عنه ،لكن خارجي إلى أنساق لغتنا العربية ،واقتلاعه من
الناقد ليس له علاقة مباشرة بهذا العالم ،فهو يرى بيئته الأصلية ومحاولة تبيئه في بيئة أخرى ،سواء
أكان ذلك عن طريق التعريب أو النحت أو المجاز
العمل الإبداعي ويكتب عنه ،فإذا كان موضوع أو الاشتقاق أو القياس أو الترجمة أم غيرها من
الأدب هو العالم بالنسبة للمبدع ،فإن موضوع
وسائل وضع وتوليد المصطلح.
النقد بالنسبة للناقد هوالأدب ،وبذلك يتجاوز
النقد كل الأيديولوجيات وكل النظريات المرتبطة
بالجوانب السياسة والاجتماعية والتاريخية ،وبذلك
كانت هذه أكبر خطوة جذرية لمحاولة تخليص
النقد الأدبي في سبيل أن يكون علما للأدب من
المنطلق الأيديولوجي ،لأن بوسع الأدباء أن يكونوا
أيديولوجيين ،كما يشاءون ،إذ تفرض عليهم ذلك