Page 31 - merit 48
P. 31
29 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
“الموازنة بين الطائيين” للآمدي و”الوساطة بين صري ًحا حيث اختلفت مفاهيمه من عصر إلى عصر،
المتنبي وخصومه” ،للقاضي الجرجاني إذ يمثل ففي العصر الجاهلي ساد منطق الذوق القائم
على الانطباعية ،والأحكام التأثرية ،وفي العصر
هذان المؤلفان ذروة النقد المنهجي عند العرب
قدي ًما(.)6 الإسلامي دخل منطق الدين والأخلاق دون أن
يغيب الذوق ،وفي العصر الأموي أخذ النحو واللغة
يبدو أن الجانب الاصطلاحي لم يتضح إلا مع
العصر العباسي أو قبل ذلك بقليل ،فقد كان النقد قيادة النقد بعد ظهور اللحن ،ولا يختلف الأمر
كثي ًرا في العصر العباسي بعد انفتاح العرب على أمم
يستخدم بمعنى الذم والاستهجان أو الجرح وشعوب .وبالرجوع إلى البوادر الأولى لظهور النقد
والتعديل ،ويبقى المعنى الأقرب لمفهوم النقد هو نجد أن الجاحظ كان من الأوائل الذين اهتموا بالنقد
التمييز بين الجيد والرديء من الدراهم ،ومعرفة
زائفها من صحيحها ،وكما يكون التمييز بين الجيد والنقاد ،حيث كان يسميهم جهابذة الألفاظ ونقاد
والرديء في الأمور الحسية يكون أي ًضا في الأمور المعاني( .)4كما التفت عبد القاهر الجرجاني إلى ذلك
المعنوية ،ومنها النصوص الأدبية(.)7 من خلال إشارته إلى البحتري عن ثعلب قائ ًل:
من ثم استعارها الباحثون ليدلوا بها على الملكة التي «ما رأيته ناق ًدا ولا ممي ًزا للألفاظ»( .)5ورغم أن
يستطيعون بها معرفة الجيد من الرديء في أعمالهم الحديث عن استخدام مصطلح النقد جاء مقتضبًا،
إلا أن هذا الدليل يوحي بأن المصطلح النقدي له
الأدبية ،وما تنتجه هذه ال َم َل َكة من ملاحظات وآراء إرهاصاته التي يعود إليها ،حيث بدأت تتحدد معالم
وأحكام نقدية( ،)8فكلمة نقد ترجع إلى كلمة إغريقية مصطلح النقد في المصنفات والكتب النقدية القديمة
ككتاب «الشعر والشعراء» لابن قتيبة ،و”كتاب
هي krineinومعناها «يفصل أو يختار أو يفرق
أو يحدد مناطق الاختلاف ،وعلى هذا الأساس فإن البديع” لابن المعتز ،وبعدهما بدأت المصنفات
الناقد التقليدي لا يحاول فقط إقامة المعاير اللازمة توسم بالنقد ،فعنون قدامة بن جعفر كتابيه «بنقد
لتقييم الاختلافات بين النصوص ،بل يحاول أي ًضا الشعر» .و”نقد النثر” وابن طباطبا العلوي «بعيار
الشعر» والسكاكي “بمفتاح العلوم” دون ان ننسى
تحديد شيء مختلف كلية داخل كل نص يقوم المصنفات الأولى “كطبقات فحول الشعراء” لابن
بقراءته ،وأثناء ذلك يقيم اختلافه عن غيره من سلام الجمحي و”المثل السائر” لابن الأثير ،و”سر
الصناعتين” لأبي هلال العسكري بالأخص كتابا
النقاد(.)9
فالنقد إ ًذا ،التقدير الصحيح لأي أثر فني ،وبيان
قيمته في ذاته ودرجته بالنسبة إلى سواه ،فكلمة
النقد تعني في مفهومها الدقيق :الحكم( )10باعتباره
فن دراسة
النصوص الأدبية
لمعرفة اتجاهها
الأدبي وتحديد
مكانتها في مسيرة
الأدب والتعرف
على مواطن الحسن
والقبح في التفسير
والتعليل( ،)11لهذا
تبدو العلاقة بين
الأدب والنقد
علاقة دقيقة ،ومن
الطبيعي أن يتساءل