Page 37 - merit 48
P. 37
35 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
الحديث(.)49 أريستوفان
وقد مثَّل التأثر المباشر والقوي بالنقد الغربي
الح َّد المؤ َّطر لتاريخ النقد العربي الحديث ،من جهة طبيعة موقفهم من الحياة ،لكن النقاد يستحيل
بداية هذا النقد ،وطرائق تطوره ،وغدا النقد العربي عليهم أن يقعوا في نفس هذه الأيديولوجيات ،لأنهم
الهامش العاكس لأصداء قوة ضغط المركز الثقافي حينئذ سوف يحتكمون في قراءة الأدب إلى معايير
الغربي ،وصارت فاعلية النقد العربي متوقفة على
كيفية مواكبة هذا النقد ،ومجاراة مقولاته ومناهجه. مسبقة في أذهانهم ،فلا يستطيعون رؤيته على
وهذا التوصيف يستوعب كل الأسماء النقدية حقيقته ولا اختيار كيفية أدائه لوظائفه التعبيرية
العربية ،منذ طه حسين ومحمد مندور وأمين
الخولي ومحمد أحمد خلف الله ،وصو ًل إلى رواد والجمالية(.)48
النقد السيمولوجي وما بعد البنيوي من المتحمسين في حين سيبتعد النقد العربي ،والدراسات الأدبية
العربية الحديثة ،مسافات كبيرة عن هذه الإمكانية
لنظريات القراءة والنقد الثقافي(.)50 التي تحققت للنقد العربي القديم ،من خلال الاعتماد
ويجد المتتبع لبدايات النقد العربي الحديث وتطوره،
صعوبة في التقاط ملامح أصالة حقيقية لهذا النقد، الواضح على المصطلح النقدي الوافد من ثقافات
أخرى ومنجزات النقد الغربي على مستوى التنظير
وأنه يبدو مجرد أصداء وظلا ًل للمنجزات النقدية
الغربية ،التي صارت مرك ًزا يتطور ويمارس ومناهج التحليل النقدي ،وهذه ليست فرضية
تحتاج التدليل على صحتها ،بقدر ما هي مقولة
إبدالاته المنهجية والنظرية في إطار تح ُّولات التفكير
الإنساني الطبيعية والنمو التلقائي لبنية المعرفة حقيقية ،تصف بواقعية الأداء النقدي العربي
لديه ،بما فيها المعرفة الأدبية .ويعود ذلك ،بطبيعة
الحال ،إلى توافره على المنظومة النسقية اللازمة
لإجراء إنتاج معرفي يستجيب لضغطها الساعي
وراء التجديد التراكمي ،والإضافة التصاعدية ،وفق
منطق حركية الفكر ،وتدافع أنماط وأنظمة الإنتاج
المعرفي .ولكي يحقق النقد العربي إمكانية كتابة
معرفية تتسم بالموضوعية التي يفرضها تاريخ
المعرفة الإنسانية المتأخر ،كان لزا ًما عليه الوقوف
طوي ًل أمام نص إبداعي تنوعت أجناسه بسبب
انسياقه وراء أدب المركز الغربي ،وتع َّقدت أبنيته
وأنساقه بسبب استجابة الحالة الإبداعية العربية
الحديثة لجاذبية إبداع المركز في أشكاله ومضامينه.
ومع طموح المبدع العربي في ممارسة التجريب
الإبداعي ،لم يكن أمام النقد العربي الحديث إلا أن
يستسلم لمبدأ التأثر بهذا المركز ،واستدعاء مقولاته
في المجال النقدي ،وهي حالة عامة استق َّرت في
وعي غالبية النخب والقيادات العربية مع بدايات
القرن العشرين( ،)51فاستحالت إرادة واعية تق ِّدر أن
مصدر المعرفة الحديثة لم يعد يتشكل عمود ًّيا وفق
دلالة الزمن فقط ،وإنما أصبح في حاجة ما َّسة إلى
المكان الذي يمثله المركز الغربي