Page 42 - merit 48
P. 42
العـدد 48 40
ديسمبر ٢٠٢2
فهي مدينة بينية تقع بين الواقعي والسحري، الفنية أو الثقافية في ملامحها ما بعد الحداثية.
وتتمظهر تلك الطبيعة البينية بوضوح على مستويي قبل أن ننتقل إلى المبحث التالي تجدر الإشارة إلى أن
«إعادة التمثيل» كما نقصدها في «ماكيت القاهرة»،
الحدث السردي والبرامج السردية للشخصيات تختلف عن «إعادة الإنتاج» بالمفهوم التقليدي والتي
اللذين تتحدد آلية بنائهما وفق حركة بندولية تتردد قد ترادف عند البعض إعادة إنتاج الواقع الخارجي
بين قطبي الواقعي والسحري ،حيث تبدأ الحركة داخل العالم التخييلي ،ولذا آثرنا استخدام «إعادة
من أحدهما نحو الآخر ثم ترتد عائدة ،مازجة التمثيل» دون «إعادة الإنتاج» ،فإعادة التمثيل في
بينهما في طريقها أحيا ًنا. «ماكيت القاهرة» هي أقرب إلى إعادة إنتاج العلامات
ولإيضاح تلك الطبيعة البينية بين الواقعي
التخييلية داخل العالم التخييلي ،فنجد على مدار
والسحري نستعرض بتحليل بسيط الجزء التالي الرواية علامات تخييلية في حالة إحالة إلى علامات
من البرنامج السردي لـ»بلياردو» ،والذي يتشكل تخييلية داخل نصية؛ فالماكيت مث ًل يحيل إلى ماكيت
على هذا النحو« :بلياردو» يسير في ميدان التحرير/ آخر ،والشخصيات تحيل إلى كتب أو أقوال تخييلية
واقعي ،يعثر على عين بشرية عملاقة /انتقال إلى لشخصيات تخييلية« ،منسي عجرم» و»خورخي
السحري ،يلتقطها ويحملها على كفه ويستكمل خالد» و»ليونيل مرسي» و»هيلاري خميس»،..
المسير في شوارع القاهرة /عودة إلى الواقعي، وعلى مستوى نوازع الشخصيات ورغباتها تحيل
إلى أن يطالعه جرافيتي عملاق لوجهه مرسوم رغبة «نود» إلى رجل تخييلي يسكن المرآة ،وتحيل
على جدار وبه حفرة في موضع العين ،فيصعد
ويضع العين البشرية العملاقة موضع العين رغبة «بلياردو» إلى المانيكانات الجبس وتلك
داخل الجرافيتي /مزج الواقعي مع السحري ،ثم المعروضه في فتارين المحلات ..وهكذا.
تتعقبه مطاردة أمنية في شوارع القاهرة تدفعه إلى القاهرة:
الهرب والاختفاء في أزقة القاهرة التي يحفظها عن
ظهر قلب /واقعي ،وفي أثناء المطاردة يبدأ تساقط يمثل دال «القاهرة» الشطر الثاني من العنوان،
الزجاج عليه من السماء /مزج الواقعي والسحري وهو يحفز التساؤل عن طبيعة «قاهرة» الماكيت
(نكتشف في وحدة سردية تالية أن سقوط الزجاج التخييلية ،والعلاقة بينها وبين القاهرة التاريخية
سببه سير «نود» داخل ماكيتها فوق نسخة الماكيت الواقعية ،فقاهرة الماكيت تمثل فضا ًء مدينيًّا يستمد
التي يوجد بها بلياردو) ،ثم تتواصل المطاردة في معطياته من القاهرة التاريخية باقتصاد شديد،
شوارع القاهرة /واقعي ،حتى يصل بلياردو إلى مثل أسماء بعض الشوارع والمعالم والأحداث:
الجاليري ،فتطل «نود» بعينيها الكبيرتين عليه ميدان التحرير وشارع محمد محمود والمتحف
من السماء ،من العالم /الماكيت الموازي لعالمه المصري ووسط البلد ،أجواء ثورة يناير ،..ولكن
وتلتقطه بإصبعين عملاقين وتساعده على الهرب
من المطاردين /سحري ،يدخل بلياردو الجاليري تلك المعطيات ذات المرجعية الواقعية تمر عبر
ويتورط في المشاركة في مبادرة جرافيتي القاهرة منشور التخييل لتنتج على الجانب الآخر «قاهرة»
العنيف ويقوم برسم جرافيتي /واقعي ،ثم لا يلبث الماكيت ،قاهرة تخييلية ينهمر من سمائها الزجاج،
أن يلوذ بحجرة «نود» التي توجد داخل الجاليري
للاختباء من متعقبيه ،وعند نافذة الحجرة يفقد وتسقط على أرضها عين بشرية مستقلة عن
عينه التي تتدحرج من النافذة لتسقط وتستقر مرة جسدها البشري ،وتستكمل وجودها وحياتها في
ثانية في قوس الميدان بالماكيت المقابل أسفل نافذة وجه جرافيتي مرسوم على جدار إسمنتي ،قاهرة
الحجرة ،حيث سيلتقطها «بلياردو» من جديد ولكن ليلية بالكاد تستبين فيها ملامح الشخصيات تحت
أضواء أعمدة الإنارة ونيون الفتارين والحجرات
في ماكيت آخر /سحري. المغلقة ،قاهرة تجسد فضا ًء ساد ًرا لليتم والهرب
والحدث السردي الأخير في تلك السلسلة المتمثل
والمطاردة.
وقاهرة «الماكيت» لها حظ من الطبيعة البينية
الكامنة في دال «ماكيت» تلك التي أشرنا إليها آن ًفا،