Page 115 - مجلة تنوير - العدد الرابع
P. 115

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                         ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫القسـرية الشـرعية التـي تمتلكهـا الـدول؛ لذلـك يعتمـد‬              ‫للقـادة الكاريزمييـن‪ ،‬فـإن معظـم هـذه الجماعـات‬
‫الإرهابيـون علـى العنـف غيـر المشـروع وغيـر المتكافـئ‬              ‫وتنظيماتهـا القائمـة متشـابهة إلـى حـد كبيـر‪ ،‬بمعنـى‬
‫المو َّجـه نحـو إرسـال رسـائل سياسـية معينـة‪ ،‬وتميـل‬
‫المنظمـات الإرهابيـة لتعظيـم انتبـاه جمهورهـا المقصـود‬                     ‫أنهـا تعتمـد علـى نظـم بيروق ارطيـة وعقلانيـة‪.‬‬
‫(الحكومـات والمواطنيـن) إلـى اسـتخدام أكثـر أشـكال‬
‫العنـف وضو ًحـا وتأثيـًار (مثـل‪ :‬التفجيـ ارت الانتحاريـة‪،‬‬          ‫«لديهـم قيـادة محـددة بوضـوح‪ ،‬علـى سـيبل المثـال‪:‬‬
‫واختطـاف الطائـ ارت‪ ،‬والاغتيـالات السياسـية)‪ .‬وتهـدف‬               ‫يمتلـك الجيـش الجمهـوري الأيرلنـدي مـا يطلـق عليـه‬
‫هـذه الأفعـال العنيفـة وغيـر المشـروعة إلـى تضخيـم‬                 ‫الجيـش التنفيـذي‪ ،‬ويمتلـك كل مـن تنظيـم الجهـاد‬
‫الخـوف وإثـارة الرعـب‪ ،‬وبالتالـي جعـل الحكومـات تبـدو‬              ‫الإسـامي وتنظيـم القاعـدة مـا يسـمى مجلـس الشـورى‪،‬‬
‫ضعيفـة وغيـر جيـدة‪ .‬وهـذه الأفعـال الخطيـرة كلهـا‪،‬‬                 ‫وتمتـاز جميعهـا بأنهـا متباينـة أرسـًّيا ووظيفًّيـا‪ ،‬وتنقسـم‬
‫التـي ينتـج عنهـا كثيـر مـن المخاطـر والتهديـدات‪ ،‬تُجبـر‬           ‫إلى وحدات متخصصة‪ ،‬وكل وحدة لها وظيفتها ودورها‬
‫المنظمـات الإرهابيـة علـى أن تعمـل فـي سـرية (تحـت‬                 ‫المهـم بالنسـبة للتنظيـم‪ ،‬عـاوة علـى ذلـك فـإن جميـع‬
‫الأرض)‪ ،‬ويعـزز الطابـع السـري لمثـل هـذه الكيانـات‬                 ‫المنظمـات الإرهابيـة قـد حـددت مسـتويات أخـرى فـي‬
‫المرونـة التنظيميـة؛ لذلـك فقـد كان علـى الجيـش‬                    ‫بنيتهـا الهرميـة‪ ،‬منهـا مـا أطلقـت عليـه اسـم (الخلايـا)»‬
‫الجمهوري الأيرلندي‪ ،‬واللواء الأحمر الإيطالي‪ ،‬وسلاح‬
‫الجـو الملكـي البريطانـي‪ ،‬تحقيـق اللامركزيـة‪ ،‬كلمـا ازد‬                                ‫(‪.)Mayntz 2004, 12‬‬
‫الضغـط القسـري عليهـم مـن ِقَبـل حكوماتهـم (‪della‬‬
‫‪ .)Porta 2013‬علـى سـبيل المثـال‪ :‬كان علـى الجيـش‬                   ‫وتعمـل المنظمـات الإرهابيـة علـى أسـاس افتـ ارض‬
‫الجمهـوري الأيرلنـدي المؤقـت أن يطـور نظا ًمـا ثابتًـا‬             ‫أن الجهـات الفاعلـة فـي الدولـة هـي أعـداء لهـا‪،‬‬
‫نسـبًّيا للقيـادة (‪.)Malešević and O’Dochartaigh 2018‬‬              ‫فيجـب عليهـا محـاكاة التطـو ارت التنظيميـة للدولـة‪،‬‬
‫ولـم ت ُكـن هـذه المرونـة التنظيميـة نهايـة التسلسـل الهرمـي‬       ‫بهـدف مواكبتهـا وإلحـاق الأذى بهـا بنجـاح‪ ،‬وبالتالـي‬
‫التنظيمـي؛ لأن البنيـة السـرية للتنظيـم أَّدت إلـى مزيـد‬           ‫يتعَّيـن عليهـا تأسـيس وحـدات ومنظمـات فرعيـة ذات‬
‫مـن عسـكرة التنظيـم وانضباطـه‪ ،‬والتشـديد علـى البنيـة‬              ‫هيكليـة مرنـة‪ ،‬ويجـب العمـل باسـتم ارر علـى تطويـر‬
‫الهرميـة للسـلطة الداخليـة؛ لذلـك فـإن فهـم الديناميـات‬            ‫هياكلهـم التنظيميـة مـن ناحيـة البنيـة والوظيفـة‪ ،‬علـى‬
‫التاريخيـة للمنظمـات الإرهابيـة يسـتوجب تتُّبـع تاريـخ‬             ‫غـ ارر مـا يحـدث فـي بنيـة الدولـة‪ ،‬وأن يكـون لهـا‬
                                                                   ‫وحـدات لجمـع المعلومـات الاسـتخبا ارتية‪ ،‬ونظـام ف َّعـال‬
                  ‫تطـُّور قد ارتهـا التنظيميـة القسـرية‪.‬‬           ‫للتجنيـد‪ ،‬وتقنيـات للم ارقبـة والرصـد‪ ،‬وخطـط طويلـة‬
                                                                   ‫المـدى خاصـة بالتمويـل وتنميـة المـوارد الماليـة‪،‬‬
                            ‫التغلغل الأيديولوجي‬                    ‫ومتابعـة التطـو ارت التكنولوجيـة ونظـم الاتصـالات‪،‬‬
                                                                   ‫والعمـل علـى توظيفهـا واسـتغلالها بشـكل دائـم‪ ،‬وأن‬
‫لا يمكـن للشـبكات الإرهابيـة أن توجـد مـن دون‬                      ‫يكـون لهـا إدا ارت مختصـة بالدعايـة ومـا إلـى ذلـك‪.‬‬
‫القـدرة التنظيميـة القهريـة الكبيـرة‪ .‬ومثـل أي منظمـة‬
‫أخـرى‪ ،‬تحتـاج الكيانـات الإرهابيـة أي ًضـا إلـى درجـة مـن‬          ‫لا يعنـي مـا سـبق كلـه أنـه لا توجـد فـروق ذات‬
                                                                   ‫دلالـة بيـن الدولـة ذات السـيادة والشـرعية‪ ،‬والشـبكات‬
                                                                   ‫الإرهابيـة؛ حيـث لا تمتلـك المنظمـات الإرهابيـة القـدرة‬

                                                              ‫‪115‬‬
   110   111   112   113   114   115   116   117   118   119   120