Page 116 - مجلة تنوير - العدد الرابع
P. 116
لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا المجلس الأعلى للثقافة
نظ ارئهـم فـي العصـور السـابقة ،مـن حيـث مسـتويات التبريـر الأيديولوجـي (.)ideological justification
التعليم ،والتعُّرض لوسـائل الإعلام (بما في ذلك وسـائل وفـي الواقـع ،وبمـا أن الحكومـات وكثيـًار مـن الأشـخاص
التواصـل الاجتماعـي أخيـًار) ،وهـم علـى هـذا النحـو أكثر يعتبرون الأفعال الإرهابية غير شرعية ،فإن المنظمات
تقبـاً وفه ًمـا للرسـائل الأيديولوجيـة؛ لذلـك يحـرص ممثلـو الإرهابيـة تركـز جـزًءا مـن طاقتهـا ونشـاطها فـي إرسـاء
المنظمـات الإرهابيـة علـى اسـتخدام أفعالهـم العنيفـة الشـرعية السياسـية .وتلعـب الأيديولوجيـا هنـا دوًار مه ًّمـا
كوسـيلة للتواصـل ،ليـس فقـط مـع خصومهـم ولكـن للغايـة .ولا يعنـي ذلـك أن الإرهـاب ظاهـرة ثقافيـة بحتـة.
أي ًضـا مـع قواعدهـم السياسـية .وبمـا أن الحداثـة تصنـع وعلـى الرغـم مـن إمكانيـة اسـتفادة المذاهـب الأيديولوجيـة
ظروًفـا مناسـبة لنشـر المذاهـب الأيديولوجيـة المختلفـة، ( )ideological doctrinesمـن الرمزيـة الثقافيـة ،فـإن
فمـن الأهميـة أن تحافـظ المنظمـات الإرهابيـة علـى السـلطة الأيديولوجيـة ( )ideological powerتختلـف
قـدٍر مـن السـيطرة الأيديولوجيـة علـى أعضائهـا وغيرهـم اختلاًفـا كبيـًار عـن الثقافـة ..ففـي حيـن أن المقاربـات
مـن المواطنيـن .ويتـم تحقيـق ذلـك مـن خـال التعمـق الثقافيـة تعتبـر المعاييـر الثقافيـة والقيـم بمثابـة المحـدد
والتغلغـل الأيديولوجـي الكبيـر ،الـذي يعنـي أنـه يجـب للفعـل الاجتماعـي ،فـإن تركيـز القـوة الأيديولوجيـة
علـى الجماعـات الإرهابيـة أن تسـتفيد مـن السـرديات ينصـ ُّب علـى نشـر انتقائـي وإسـت ارتيجي للرمـوز والأفـكار
الشـعبية الموجـودة حـول الظلـم والمظالـم والأخـاق، الأيديولوجيـة والعبـا ارت الثقافيـة .وبشـكل مبسـط ،لا
بهـدف صياغـة مسـتوى مـن الإجمـاع الشـعبي حـول يمكـن للسـرديات الثقافيـة أن تفعـل شـيًئا بمفردهـا مـا
مـا يمثلـه كفاحهـم السياسـي ومـا تريـد هـذه الجماعـات لـم تُد َمـج فـي الكيانـات التنظيميـة القهريـة ،التـي تعمـل
جيـًدا بهـدف ربـط هـذه السـرديات الثقافيـة بشـكل قـوي
تحقيقـه والوصـول إليـه مـن أهـداف. وإسـت ارتيجي مـع العوالـم الصغـرى للقواعـد الشـعبية التـي
تتشـَّكل منهـا هـذه التنظيمـات ،بحيـث يتـم اسـتحضارها
فـي هـذا السـياقُ ،يعتبـر الوصـول إلـى وسـائل وتمثلهـا عبـر التفاعـات المختلفـة داخـل التنظيمـات.
الإعـام أمـًار حاسـ ًما؛ حيـث إن جميـع الأفعـال وبالتالـي لا تحـدد الثقافـة الأفعـال والأنشـطة الإرهابيـة.
الإرهابيـة تزدهـر مـن خـال الدعايـة الإعلاميـة – وبـدلاً مـن ذلـك ،يعتمـد الإرهـاب علـى السـرديات
إذا لـم ُينشـر أي تفجيـر انتحـاري علـى نطـاق واسـع الأيديولوجيـة ( )ideological narrativesالمتقنـة لتبريـر
عبـر وسـائل الإعـام المختلفـة ،فهـو كمـا لـو أنـه لـم أفعـال العنـف ،وتعبئـة مسـتويات عاليـة مـن الدعـم
يحـدث علـى الإطـاق .وتحفـز الأفعـال الإرهابيـة
الد ارماتيكيـة التعبئـة الجماهيريـة ،وبهـذه الطريقـة ُيعـاد الشـعبي لأجندتـه السياسـية.
إنتـاج الرسـائل الأيديولوجيـة داخـل الدوائـر السياسـية
الأوسـع التـي يهـدف الإرهابيـون إلـى الوصـول إليهـا. وتضفـي جميـع المنظمـات الاجتماعيـة الشـرعية
وبعبـارة أخـرى فـإن التغلغـل الأيديولوجـي الكبيـر يتيـح علـى وجودهـا مـن خـال الاسـتعا ارت الأيديولوجيـة
تواصـاً مسـتمًّار وإعـادة تأكيـد مسـتمرة علـى المبـادئ ( .)ideological tropesويعنـي هـذا ،بلغـة الحداثـة:
الأيديولوجيـة الرئيسـة التـي رَّوجـت لهـا الجماعـات مخاطبـة الناخبيـن السياسـيين وتبريـر اسـتخدام العنـف
الإرهابيـة علـى المسـتويات المختلفـة .ومـع ذلـك لا لهـم مـن خـال آفـاق أيديولوجيـة محـددة؛ وذلـك نظـًار
لأن المواطنيـن فـي العالـم المعاصـر يتمايـزون عـن
يمكـن للقـوة الأيديولوجيـة أن تدعـم المنظمـات الإرهابيـة
116