Page 117 - مجلة تنوير - العدد الرابع
P. 117
لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا المجلس الأعلى للثقافة
فإنـه لا يجعلهـا بالضـرورة ذات معنـى بالنسـبة للأفـ ارد مـن تلقـاء نفسـها .فلكـي تحقـق المنظمـات الإرهابيـة
العادييـن ،ونظـًار لأن معظـم ممارسـاتنا اليوميـة تتضمـن الشـرعية السياسـية ،تحتاج إلى تحقيق النجاح السياسـي
تفاعـات مـع أفـ ارد الأسـرة والأصدقـاء والجيـ ارن والأق ارن علـى أرض الواقـع .وعلـى سـبيل المثـال :حقـق تنظيـم
وغيرهـا مـن المجموعـات والجماعـات علـى المسـتويات القاعـدة قـدًار كبيـًار مـن الانتشـار والبـروز مـن خـال
الصغـرى ،لا يمكـن للمنظمـات الإرهابيـة أن تنجـح مـن النقـاء الأيديولوجـي المسـتمد مـن التفسـي ارت الخاصـة
دون اختـ ارق هـذا المسـتوى (الميكـرو) مـن التفاعـات. بالإسـام ،ومـن خـال الأفعـال العنيفـة بدرجـة أكبـر.
وكمـا أشـارت عـدٌد مـن المـدارس النظريـة الحديثـة، وينطبـق الأمـر نفسـه علـى «داعـش» ،التـي سـرعان مـا
يسـتمد غالبيـة البشـر وجودهـم وتحققهـم العاطفـي تولـت الـدور القيـادي داخـل الحـركات السـلفية العنيفـة
وشـعورهم بالأمـن الوجـودي مـن خـال عضويتهـم فـي
الجماعـات علـى المسـتويات الصغـرى (Malešević بمجـرد تحقيقهـا نجاحـات مسـلحة.
.)2015; Dunbar 1998كمـا أن واحـدة مـن المشـكلات
الأساسـية التـي تواجـه جميـع المنظمـات الاجتماعيـة، مـا سـبق كلـه يشـير إلـى أن السـرديات ،بمـا فـي ذلـك
هـي :كيفيـة التوفيـق بيـن أهدافهـا المرجـوة وأيديولوجيتهـا العقائـد الدينيـة ،لا تـؤدي إلـى العنـف مـن تلقـاء نفسـها؛
والارتباطـات العاطفيـة علـى المسـتويات الصغـرى، بمعنـى :أن حيـازة المـرء للمعرفـة الكبيـرة بالنصـوص
وذلـك بهـدف تعبئـة الفعـل الاجتماعـي وإضفـاء المعنـى الدينيـة لا تجعلـه عرضـة للقيـام بالأفعـال الإرهابيـة
عليـه ،ووفًقـا لذلـك تتشـابه المنظمـات الإرهابيـة مـع العنيفـة .وبخـاف ذلـك ،فـإن هـذه الأفـكار الأيديولوجيـة
المنظمـات الاجتماعيـة الأخـرى ،مـن حيـث إنهـا لا تحقـق المعنـى الاجتماعـي لهـا إلا فـي سـياقات
هرميـة ،وبيروق ارطيـة ،وجذابـة ،وجبريـة .علـى النقيـض سياسـية منقسـمة ومتدهـورة بالفعـل ،فمثـل هـذه السـياقات
مـن ذلـك ،فـإن التفاعـل عبـر المسـتويات الصغـرى لا تقـدر علـى التحكـم فـي أعمـال العنـف ومواجهتهـا،
فـي العائـات والصداقـات وجماعـات الأقـ ارن مؤَّسـس إضافـة إلـى أن التغلغـل الأيديولوجـي يجعلهـا – أي
علـى العلاقـات الحميمـة والروابـط العاطفيـة والأخـاق أعمـال العنـف – ذات مغـزى اجتماعـي مقبـول لـدى
الجماعيـة المشـتركة والتلقائيـة؛ لذلـك ،فـإن الربـط بيـن عـدٍد مـن أفـ ارد قاعدتهـا السياسـية ،وتُعتبـر الأفـكار
هذيـن النمطيـن غيـر المتوافقيـن مـن المنظمـات يحتـاج العقائديـة والأيديولوجيـة مفيـدة أي ًضـا فـي تدعيـم التماسـك
إلـى تطويـر آليـات تنظيميـة وأيديولوجيـة قـادرة علـى الاجتماعـي داخـل الحـركات الإرهابيـة ،وكذلـك فـي
نقـل هـذه الصـور مـن التضامـن ،التـي تتحقـق عبـر تجنيـد الأعضـاء الجـدد وجذبهـم نحـو الانضمـام لهـذه
المسـتويات الصغـرى للتفاعـل ،إلـى المنظمـات الإرهابية الحـركات .بالتالـي فـإن الأيديولوجيـة تُعتبـر مهمـة جـًّدا،
ذات المستويات التنظيمية الكبرى (الماكرو) .وبالتالي، خاصـة فـي حـال التقائهـا القـد ارت التنظيميـة القسـرية،
يتعَّيـن علـى الشـبكات الإرهابيـة الناجحـة اختـ ارق وقدرتهـا علـى الاسـتفادة بنجـاح مـن شـبكات التضامـن
المستويات الصغرى للتفاعل ،من خلال محاكاة طبيعة
علاقـات الق اربـة والصداقـة الوثيقـة وسـماتها العاطفيـة، علـى المسـتويات الصغـرى.
التضامن على المستويات الصغرى
علـى الرغـم مـن أن وجـود البنيـة التنظيميـة القسـرية
والأيديولوجيـة يجعـل الشـبكات الإرهابيـة أمـ ار ممكنـا،
117