Page 110 - مجلة تنوير - العدد الرابع
P. 110

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                          ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫مـن الأشـخاص‪ ،‬تعتمـد علـى الترميـز الثقافـي والاتصـال‬               ‫ثلاثينيـات القـرن الماضـي‪ ،‬إنهـا تـدور حـول النظـام‬
‫الجماهيـري لنشـر الخـوف والذعـر والفـزع عبـر جمهـور‬                 ‫ضـد الفوضـى‪ ،‬والحضـارة مقابـل الانقسـام البربـري‪،‬‬
                                                                    ‫وتصـور العـدو علـى أنـه وحشـي وغيـر عقلانـي‪ .‬علـى‬
‫أكبـر بكثيـر‪ .‬ومـن ثَـَّم فإنـه مـن المهـم بالنسـبة لجميـع‬          ‫حـد تعبيـره‪« :‬كمـا فـي الثلاثينيـات مـن القـرن الماضـي‪،‬‬
‫المنظمـات الإرهابيـة التحُّكـم فـي الرسـالة التـي تهـدف‬             ‫فـإن الإرهـاب مضـاد للبشـرية المتحضـرة والمنظمـة؛‬
                                                                    ‫لذلـك فهـو تهديـد عالمـي‪ ،‬ويجـب علـى النظـام السياسـي‬
‫إلـى توصيلهـا مـن خـال اسـتخدام العنـف‪ .‬إذا خـرج‬                    ‫الداخلـي أن يلتـزم بهـذه الأوامـر‪ ،‬وكذلـك النظـام العالمـي‬
                                                                    ‫الخارجـي» (‪ .)Ditrych 2014, 4‬وتختلـف هـذه الخطابـات‬
‫العمـل الإرهابـي عـن الخطـة الموضوعـة وأخطـأ الهـدف‪،‬‬                ‫عـن خطابـات السـبعينيات مـن القـرن الماضـي‪ ،‬عندمـا‬
                                                                    ‫ارتبـط الإرهـاب بفئـات أكـدت البـ ارءة مـن قتـل الأبريـاء‬
‫أو أصـاب هدًفـا خاطًئـا‪ ،‬فقـد تفقـد المنظمـة السـرية دعـم‬           ‫مقابـل الضـرر والتخريـب‪ ،‬ونظـم الحكـم مقابـل الشـعب‪.‬‬
‫أعضائهـا ومؤيديهـا وثقتهـم‪ ،‬أو قـد تعتبـر غيـر ف َّعالـة‬            ‫ويؤكـد «ديتريتـش» أن تحليلـه التاريخـي يوضـح أن‬
‫أو عاجـزة‪ ،‬وكل منهمـا يفقدهـا شـرعية وجودهـا؛ لذلـك‬                 ‫الإرهـاب ليـس لـه جوهـر ثابـت‪ ،‬وأنـه يتمَّيـز بتغُّيـر‬
                                                                    ‫الخطابـات التـي تنطـوي علـى الاسـتم اررية والانقطـاع‬
‫فـإن نجـاح الإرهـاب لا يتطلـب إنجـاز العمـل العنيـف‬
                                                                                       ‫وعلـى التأطيـر التعسـفي الموجـه‪.‬‬
‫فحسـب‪ ،‬بـل يتطلـب أي ًضـا اسـتجابة كافيـة مـن وسـائل‬
‫الإعـام والجمهـور‪ .‬وبهـذا المعنـى فالإرهـاب ظاهـرة‬

‫ثقافيـة تحتـاج إلـى التأطيـر والتواصـل مـع الجمهـور‬

‫المسـتهدف‪ ،‬وتبريـر العنـف وتمثلـه فـي أعيـن الجمهـور‬

          ‫العـام‪ ،‬والتركيـز علـى سـرديات موسـعة لـه‪.‬‬

‫وتُعـُّد المقاربـات الثقافيـة والأنثروبولوجيـة مفيـدة‬                         ‫الأسس الثقافية للإرهاب‪ ..‬رؤية نقدية‬
‫جـًّدا فـي رسـم خ ارئـط هـذه الجوانـب الفكريـة والتمثيليـة‬
                                                                    ‫يعتمـد الإرهـاب علـى التأطيـر والتفسـير الثقافـي‪،‬‬
‫للإرهـاب‪ ،‬وفـي بعـض الجوانـب المهمـة لا يوجـد إرهـاب‬                ‫أكثـر مـن كل الأشـكال الأخـرى للعنـف المنظـم‪ .‬وفـي‬
‫مـن دون ثقافـة‪ ،‬ومـع ذلـك‪ ،‬فـإن الثقافـة لهـا قيمـة فـي‬             ‫حيـن أن الحـروب والإبـادة الجماعيـة والثـو ارت يمكـن أن‬
                                                                    ‫تحدث دون تأطير ثقافي‪ ،‬فإن الأفعال الإرهابية تتطلب‬
‫تحديـد الروابـط والعلاقـات بيـن الثقافـة والعنـف‪ ،‬إلا‬               ‫التواصل والرمزية والتفاعل؛ نظًار لأن الأنشطة الإرهابية‬
                                                                    ‫تزدهـر مـن خـال التصويـر والتغطيـات الإعلاميـة‬
‫أنهـا تقـدم القليـل مـن حيـث التفسـي ارت الاجتماعيـة‪..‬‬              ‫والفوضـى العامـة‪ ،‬فمـن المتوَّقـع أنهـا تمثـل شـكلاً مـن‬
‫وبعبـارة أخـرى‪ ،‬فـإن علمـاء الثقافـة مقتنعـون جـًّدا بـأن‬           ‫أشـكال التواصـل السياسـي‪ .‬وليـس للإرهـاب الـذي يفتقـر‬
                                                                    ‫إلـى الجمهـور أي فرصـة للنجـاح السياسـي‪ .‬وإذا تـم فهـم‬
‫الأبعـاد الثقافيـة كافيـة لتفسـير الأفعـال الإرهابيـة‪ ،‬لكنهـم‬       ‫الإرهـاب باعتبـاره «سـا ًحا للضعفـاء»‪ ،‬فـإن السـرديات‬
‫لا يسـتطيعون تقديـم تفسـي ارت كافيـة حـول أصـول‬                     ‫الثقافيـة تلعـب دوًار رئيسـًّيا فـي إنجـازه‪ .‬وتتض َّمـن معظـم‬
                                                                    ‫الأحـداث الإرهابيـة أعمـال عنـف مذهلـة وغيـر متوَّقعـة‬
‫الديناميـات الاجتماعيـة طويلـة الأجـل للإرهـاب‪ .‬وبـدلاً‬             ‫تهدف إلى ترويع المواطنين العاديين‪ .‬في حين أن تلك‬
‫مـن تتُّبـع المنطـق العملـي للعنـف الإرهابـي‪ ،‬وشـرح مـا‬             ‫الحـوادث العنيفـة التـي تقتـل عـادة عـدًدا صغيـًار نسـبًّيا‬
‫الـذي يجعـل الإرهـاب ممكًنـا‪ ،‬تميـل المقاربـات الثقافيـة‬
‫إلـى التركيـز علـى تأطيـر الإرهـاب وإضفـاء العلامـات‬

‫والرمـوز عليـه‪ .‬وهنـاك ثـاث معضـات واضحـة تواجـه‬

                                 ‫المقاربـة الثقافيـة‪:‬‬

                                                               ‫‪110‬‬
   105   106   107   108   109   110   111   112   113   114   115