Page 109 - مجلة تنوير - العدد الرابع
P. 109
لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا المجلس الأعلى للثقافة
( ،)2009علـى أن جميـع تعريفـات الإرهـاب ذاتيـة ،ولا نفسـه ،يـدور خطـاب سياسـي علـى أعلـى المسـتويات
يمكـن فصلهـا عـن الممارسـات المنطقيـة المحـددة التـي حـول الإرهـاب ،بينمـا لا يـكاد أحـٌد يتحـدث عـن سـامة
الأشـخاص مـن حـوادث الطـرق» (Zwitter and de تشـكلت مـن خلالهـا.
.)Wilde 2014, 8عـاوة علـى ذلـك ،يقـوم نمـوذج ويتضـح التأثيـر الأكبـر لمـا بعـد البنيويـة فـي
الأمننـة بتحليـل كيـف ولمـاذا ومتـى تصبـح بعـض د ارسـات الإرهـاب مـن خـال العلمـاء المرتبطيـن
المنظمات والجماعات والأنشـطة مؤطرة أمنًّيا (أي :تتم بمدرسـة «كوبنهاجـن» (:)Copenhagen School
أمننتهـا) بشـكل معَلـن ،وتفهـم فـي الـ أري العـام باعتبارهـا «بـاري بـو ازن» ( ،)Barry Buzanو«أولـي ويفـر»
تمثـل تهديـًدا وجودًّيـا للنظـام الاجتماعـي .بوجـه خـاص، ( )Ole Waeverونظريتـه حـول «الأمننـة»()1
يهتـم «بـو ازن» و«أولـي ويفـر» (2003م) بكيفيـة نجـاح
اسـت ارتيجيات «الأمننـة» ،بمعنـى أن الجمهـور العـام ( .)securitizationويركـز نمـوذج «الأمننـة» علـى
يسـتجيب ويقبـل المطالبـات المقَّدمـة مـن أجهـزة الأمـن
والحكومـات ،التـي تسـتطيع ،عبـر الخطابـات اليوميـة العمليـات الاجتماعيـة التـي يتـم مـن خلالهـا تحويـل
الرسـمية المو َّجهـة للمواطنيـن ،أن تجعـل مـن «الأمننـة» الأفـ ارد والجماعـات والقضايـا إلـى موضوعـات أمنيـة.
عمليـة شـرعية ومقبولـة ،مـن خـال الخطابـات العامـة كمـا أوضـح «بـو ازن» و«أول ويفـر» (2003م) أن
والرسـمية اليوميـة .وعلـى سـبيل المثـال ،تعلـن كثيـر مـن «الأمننـة» هـي ظاهـرة مرتبطـة بقـوة الدولـة وقدرتهـا
الدول العمل بحالة الطوارئ ،من أجل مواجهة تهديدات علـى تأطيـر العوامـل الفرديـة والاجتماعيـة باعتبارهـا
الإرهـاب الحقيقيـة أو المتصـَّورة أو المتخَّيلـة .وفـي ظـل تهديـدات محتملـة أو فعليـة لأمـن الدولـة .وينصـ ُّب
هـذه الظـروف الاسـتثنائية ،يسـمح لأجهـزة الدولـة وأجهـزة التركيـز هنـا علـى تصويـر التهديـد وتمثلـه ،الـذي نـادًار
الأمـن بتجـاوز بعـض التشـريعات ،ويمكنهـا أن تتصـَّرف مـا يتوافـق مـع التهديـد الفعلـي؛ لأن بعـض الجماعـات
دون محاسـبة أو عقـاب ،فـي الوقـت الـذي تنشـر فيـه أو المؤسسـات أو القضايـا يتـم تمييزهـا وأمننتهـا ،فـي
حيـن أن البعـض الآخـر يحظـى باهتمـام أقـل أو نـادر
الإكـ اره والعنـف المفـرط ضـد مواطنيهـا. مـن أجهـزة الدولـة .والمثـال التوضيحـي هـو كيـف يعطـي
الاتحـاد الأوروبـي والـدول الأعضـاء الأولويـة للإرهـاب
ويستكشـف علمـاء مـا بعـد البنيويـة الخطابـات وتتـم أمننتـه مقارنـة بقضايـا ومشـكلات أخـرى ،مثـل:
مشـكلة السـامة علـى الطـرق «فـي عـام 2005م ،توفـي المتغِّيـرة حـول الإرهـاب .وقـد نشـر «ديتريتـش» (Ondrej
مـا يقـرب مـن 41.600شـخص فـي حـوادث الطـرق )2014( )Ditrychتحليـل خطـاب حـول تمثـل الإرهـاب
فـي الاتحـاد الأوروبـي ،بينمـا فـي العـام نفسـه توفـي علـى مـدى المئـة عـام الماضيـة ،بالاعتمـاد علـى رؤيـة
«فوكـو» ونظريتـه فـي تحليـل الخطـاب ،وفـي هـذا 56شـخ ًصا مـن جـَّارء الهجـوم الإرهابـي .وفـي الوقـت
السـياق ،أكـد أن السـرديات السـائدة حـول الإرهـاب قـد ( )1الأمننـة هـي العمليـة التـي تقـوم مـن خلالهـا النخبـة الحاكمـة
تغَّيـرت بشـكل كبيـر علـى مـِّر السـنين ،لكنهـا لا تتبـع بتحويـل قضيـة مـا أو مشـكلة معينـة إلـى قضيـة أمنيـة ،أي أنهـا
التطـور المنطقـي .علـى سـبيل المثـال ،تشـبه الخطابـات تهـدد وجـود الدولـة بشـكل مباشـر أو غيـر مباشـر ،وعندمـا يقتنـع
م ـع التويعار ُجم ــعل الدولـة قـادرة علـى الأمننـة ،تصبـح الشـعب بهـذه
المعاصـرة لمـا بعـد أحـداث الحـادي عشـر مـن سـبتمبر، هـذا إجـ ارءات اسـتثنائية، أو المشـكلة وفـق هـذه القضيـة
بطريق ٍة ما ،السرديات التي ُسردت حول الإرهاب خلال المفهـوم إلـى إسـهامات مدرسـة كوبنهاجـن فـي الد ارسـات الأمنيـة.
المترجـم.
109