Page 104 - مجلة تنوير - العدد الرابع
P. 104

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                           ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫لقـد ُطـِّورت هـذه الرؤيـة التـي ترِّكـز علـى مركزيـة‬                ‫اتفـاق حـول كيفيـة تشـكيل الثقافـة للأفعـال الإرهابيـة‪،‬‬
‫دور المعاييـر فـي الواقـع الاجتماعـي بشـكل أكبـر مـن‬                 ‫أو كيف تُبنى هذه الظاهرة وُيعاد إنتاجها‪ .‬ومن هنا‪،‬‬
‫خـال منظـو ارت الدوركايميـة الجديـدة حـول العنـف‬                     ‫يؤكد البعض الأساس المعياري للسلوك الاجتماعي‪،‬‬
‫والإرهـاب‪ ،‬علـى وجـه الخصـوص‪ ..‬وقـام علمـاء أمثـال‬                   ‫بينمـا يرِّكـز البعـض الآخـر علـى المنطـق الظرفـي ‪-‬‬
‫«جيفـري ألكسـندر» ‪2011,( Jeffrey Alexander‬‬                           ‫الموقفـي للعنـف‪ ،‬بينمـا تصـر المجموعـة الثالثـة علـى‬
‫‪ ،)2007, 2004a, 2004b‬و«فيليـب سـميث» ‪Philip‬‬                          ‫الطابـع الجدلـي والن ازعـي المسـيطر علـى السـرديات‬
‫‪ ،)2008, 2005( Smith‬و«نيـل سملسـر» ‪Neil‬‬                              ‫التـي تحـاول مناقشـة الإرهـاب وتفسـيره‪ .‬ومـن بيـن‬
‫‪ )2007( Smelser‬بتطويـر جميـع النظريـات الثقافيـة‬                     ‫كثيـٍر مـن وجهـات النظـر الثقافيـة حـول الإرهـاب‪،‬‬
‫المفِّسـرة للإرهـاب وأشـكال العنـف الأخـرى‪ .‬وعلـى الرغـم‬             ‫هيمنـت ثـاث مقاربـات علـى المناقشـات المعاصـرة‪:‬‬
‫مـن أن هـؤلاء العلمـاء يرِّكـزون علـى تقاليـد النظريـة‬               ‫الدوركايميـة الجديـدة (‪،)neo - Durkhemianism‬‬
‫الدوركايميـة‪ ،‬فإنهـم قَّدمـوا تفسـي ارت ثقافيـة أكثـر دقـة‬           ‫والتفاعليـة الرمزيـة (‪،)symbolic interactionism‬‬
‫وأقـل حتميـة حـول الإرهـاب‪ .‬وينقـل هـذا الاتجـاه التركيـز‬
‫مـن الأحـداث الماديـة إلـى الفهـم الجماعـي لمثـل هـذه‬                       ‫ومـا بعـد البنيويـة (‪.)post - structuralism‬‬
‫الأحـداث‪ .‬وبعبـارة أخـرى‪ُ :‬يعـد الإرهـاب بالنسـبة‬
‫للدوركايمييـن الجـدد ‪ -‬أولاً وقبـل كل شـيء ‪ -‬فعـاً‬                                               ‫الدوركايمية الجديدة‬
‫ثقافًّيـا يهـدف إلـى الإثـارة والاسـتف ازز والتحـدي‪ ،‬أو إعـادة‬
‫تأكيـد المعاييـر العامـة المعمـول بهـا‪ .‬كمـا يهـدف العنـف‬            ‫ترجـع جـذور الدوركايميـة المعاصـرة إلـى المفاهيـم‬
‫الناجـم عـن الفعـل الإرهابـي إلـى تقويـض أو إرسـاء‬                   ‫الكلاسـيكية حـول تماسـك الجماعـة وتضامنهـا‪،‬‬
‫فهـم خـاص للواقـع الاجتماعـي وتحقيـق معـا ٍن جماعيـة‬                 ‫وقـد ارتبطـت بتمييـز «إميـل دوركايـم» (‪Emile‬‬
‫محـددة‪ .‬وبالنسـبة لـك ٍّل مـن «ألكسـندر» (‪2011,‬‬                      ‫‪ )Durkheim‬بيـن التضامـن الآلـي (‪mechanical‬‬
‫‪ )2004a‬و«سـميث» (‪ )2008, 2005‬فـإن الإرهـاب‬                           ‫‪ )solidarity‬والتضامـن العضـوي (‪organic‬‬
‫لا ينتـج عمـاً اجتماعًّيـا فـي حـد ذاتـه‪ .‬وبـدلاً مـن‬                ‫‪ .)solidarity‬باختصـار‪ :‬افتـرض «دوركايـم»‬
‫ذلـك‪ ،‬فـإن كل أشـكال العنـف السياسـي تتطلـب وجـود‬                    ‫(‪ )1997‬أن جميـع النظـم الاجتماعيـة تتج َّمـع حـول‬
‫رمـوز ثقافيـة وسـرديات ضروريـة لتأسـيس فهـم ومعنـى‬                   ‫القيـم المشـتركة‪ ،‬علـى الرغـم مـن اختلافهـا فـي بنيتهـا‬
‫جماعـي لمثـل هـذه الأفعـال‪ .‬وبالتالـي‪ ،‬مـن دون الإطـار‬               ‫الاجتماعيـة‪ .‬وبالتالـي ربـط المجتمعـات التقليديـة‬
‫الثقافـي‪ ،‬فمـن غيـر المرَّجـح أن تـؤدي الأفعـال العنيفـة‬             ‫بالتضامـن الآلـي‪ ،‬الـذي يقـوم – ببسـاطة – علـى تشـابه‬
‫إلـى ردود فعـل وآثـار اجتماعيـة متماسـكة وذات مغـزى‪.‬‬                 ‫الجماعـة (‪ .)group similarity‬وفـي المقابـل‪ ،‬تتمَّيـز‬
‫وحسـب رؤية «ألكسـندر» تمثل الأفعال الإرهابية شـكلاً‬                  ‫المجتمعـات الحديثـة بأنظمـة الت اربـط المعقـدة‪ ،‬وهـذا‬
‫مـن أشـكال التواصـل التـي تشـمل الجنـاة‪ ،‬والضحايـا‪،‬‬                  ‫هـو التضامـن العضـوي‪ .‬ووفًقـا لرؤيـة «دوركايـم» فمـن‬
‫والمتفرجيـن‪ ..‬ومـن ثَـَّم فـإن أي هجـوم إرهابـي ُينتـج‬               ‫المرَّجح أن ينشأ العنف‪ ،‬بما في ذلك الانتشار المفاجئ‬
‫وفـرة مـن الأطـر التفسـيرية التـي تهـدف إلـى فهـم أو‬                 ‫للأفعـال الإرهابيـة‪ ،‬خـال الفتـ ارت التـي تمـر فيهـا‬
                                                                     ‫المجتمعـات بم ارحـل انتقاليـة مـن أشـكال التضامـن الآلـي‬
                                                                     ‫إلـى أشـكال التضامـن العضـوي (مثـال‪ :‬حالـة الأنومـي)‪.‬‬

                                                                ‫‪104‬‬
   99   100   101   102   103   104   105   106   107   108   109