Page 108 - مجلة تنوير - العدد الرابع
P. 108

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                         ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫و«دريـدا» (‪ ،)Derrida‬و«ديلـوز» (‪،)Deleuze‬‬                          ‫التوتر ‪ -‬الخوف دون التفاعل والدعم الجماعي‪ .‬وعلى‬

‫و«بودري ـاد»‬  ‫(‪،)Lyotard‬‬  ‫و«ليوت ـارد»‬                             ‫هـذا الأسـاس‪ ،‬فـإن القتلـة المحترفيـن أو الانتحارييـن‬
                                                                   ‫الفـ اردى يحتاجـون إلـى تطويـر طقوسـهم وممارسـاتهم‬
‫(‪ ،)Baudrillard‬تأثيرهم الكبير على العلوم الإنسانية‬
                                                                   ‫التـي تحاكـي فـي بعـض الأحيـان التفا ُعـل الجماعـي‪.‬‬
‫والاجتماعيـة‪ ،‬كمـا أن تأثيرهـم ملحـوظ علـى الد ارسـات‬              ‫وعلـى سـبيل المثـال‪ ،‬يميـل كل مـن الانتحارييـن والقتلـة‬

‫الثقافيـة للإرهـاب‪ .‬وظهـر هـذا الاتجـاه فـي البدايـة كنقـد‬         ‫إلـى الانخـ ارط فـي الممارسـات الروتينيـة المعقـدة التـي‬
                                                                   ‫ترِّكـز علـى التحضيـر لأعمالهـم العنيفـة‪ .‬إنهـم يقضـون‬
‫للبنيوية‪ ،‬وتطَّور لاحًقا ليصبح هجوًما جذ ًرّيا على جميع‬            ‫بانتظـام قـدًار كبيـًار مـن الوقـت فـي الممارسـات الموحـدة‬
‫النمـاذج العالميـة فـي العلـوم الاجتماعيـة‪ .‬وبالتالـي بـدلاً‬       ‫والروتينيـة التـي تسـاعدهم فـي الانفصـال عـن التفكيـر‬

‫مـن تقديـم تفسـير بديـل‪ ،‬يهـدف علمـاء مـا بعـد البنيويـة‬           ‫فـي الحـدث العنيـف الوشـيك‪ .‬ومـن خـال التركيـز علـى‬

‫إلـى تفكيـك مـا يسـمونه «مـا بعـد السـرديات» (‪meta -‬‬               ‫التفاصيـل الدقيقـة للعمـل الإرهابـي‪ ،‬يؤسـس الفـرد درجـة‬

‫‪ ،)narratives‬بمـا فـي ذلـك السـرديات التـي أوضحهـا‬                 ‫من الاستق ارر العاطفي‪ ،‬وينتقل أي ًضا بعيًدا عن مواجهة‬
                                                                   ‫التوتـر ‪ -‬الخـوف المحتمـل‪ .‬ووفًقـا لمـا قالـه «كولينـز»‬
‫علمـاء الاجتمـاع‪ .‬ووجهـة نظرهـم هـي أن كل صـور‬                     ‫(‪2008‬م)‪ ،‬فـإن هـذا يسـاعد فـي تفسـير التمثيـل العالـي‬

‫ادعـاءات امتـاك الحقيقـة الكاملـة مشـروطة‪ ،‬مؤقتـة‪،‬‬                 ‫لخريجـي الجامعـات وغيرهـم مـن أفـ ارد الطبقـة الوسـطى‬
                                                                   ‫بين الانتحاريين‪ .‬وبما أن هؤلاء الأف ارد عادة ما يكونون‬
‫واعتباطيـة‪ ،‬وبالتالـي فـإن جميـع التفسـي ارت العلميـة‬              ‫غيـر مطمئنيـن لاسـتخدام العنـف‪ ،‬فيمكنهـم تجُّنـب رؤيـة‬

‫تتطلـب تفكيـًكا لتجديـد الممارسـات المهيمنـة والذاتيـة‪،‬‬            ‫النتائج الدامية لأفعالهم من خلال إعادة تركيز انتباههم‬
‫التـي هـي بالفعـل مضمنـة فـي هيـاكل سـردية مختلفـة‪.‬‬
                                                                   ‫على الروتين اليومي والتظاهر بعدم تورطهم في أعمال‬
‫ويؤكـد علمـاء مـا بعـد البنيويـة تعـُّدد ادعـاءات المعرفـة‬
                                                                   ‫القتـل وج ًهـا لوجـه‪ .‬وتتضمـن أشـكال الإرهـاب الأخـرى‬
‫وخصوصيتهـا‪ ..‬وفـي هـذا السـياق‪ ،‬يهدفـون إلـى تحديـد‬                ‫الأكثـر شـيو ًعا‪ ،‬مثـل‪ :‬الاختطـاف والهجمـات الجماعيـة‬
                                                                   ‫العنيفـة‪ ،‬تفاعـات جماعيـة مباشـرة‪ ،‬وبالتالـي تعتمـد‬
‫التناقضـات المتأصلـة‪ ،‬وأوجـه التضـارب‪ ،‬والتعسـف‬
                                                                   ‫علـى سلاسـل تفاعليـة طقوسـية‪ .‬وفـي هـذه الحـالات‬
‫فـي الخطابـات العلميـة وغيرهـا‪ .‬وعلـى هـذا‪ ،‬يميـل هـذا‬
                                                                   ‫كلهـا‪ ،‬تُعـد الديناميـات التفاعليـة الجماعيـة والتضامـن‬
‫الاتجـاه إلـى التركيـز علـى الخطابـات المتنافسـة‪ ،‬وكذلـك‬           ‫العاطفـي للخلايـا الإرهابيـة عنصريـن أساسـيين فـي‬

‫علـى التمثـات الثقافيـة والسياسـية للإرهـاب‪ .‬ويتـم‬                 ‫نجـاح المشـروع العنيـف‪ .‬ومـن خـال التفاعـل الجماعـي‬
                                                                   ‫اليومـي‪ ،‬يتغَّلـب الأفـ ارد علـى مواجهـة الخـوف ‪ -‬التوتـر‪.‬‬
‫الاعت ارض على مفهوم الإرهاب باعتباره مؤس ًسـا ومبنًّيا‬
‫اجتماعًّيـا ومسي ًسـا‪ ،‬ويعتمـد علـى السـياق‪ .‬علـى سـبيل‬
‫المثـال‪ :‬يظهـر علمـاء الأنثروبولوجيـا‪ ،‬مثـل‪« :‬جيفـري‬

‫سـلوكا» (‪ ،)2009( )Jeffrey A. Sluka‬و«ريتشـارد‬

‫جاكسـون» (‪ ،)2007( )Richard Jackson‬كيـف‬

              ‫تغَّيـر معنـى الإرهـاب مـع مـرور الوقـت‬

‫وكيـف تحـَّول مـن مفهـوم يشـير إلـى عنـف الدولـة‪،‬‬                                                  ‫ما بعد البنيوية‬
‫إلـى مفهـوم آخـر يشـير إلـى النشـاط المناهـض للدولـة‪.‬‬
‫وبالمثـل يصـر «هارمونـي تـوروس» (‪Harmonie‬‬                          ‫كان للعلمـاء الكلاسـيكيين لمـا بعـد البنيويـة ‪post‬‬
‫‪ ،)Toros‬و«جيـرون جونينـج» (‪)Jeroen Gunning‬‬                         ‫‪ ،- structuralism‬مثـل‪« :‬فوكـو» (‪،)Foucault‬‬

                                                              ‫‪108‬‬
   103   104   105   106   107   108   109   110   111   112   113