Page 9 - مجلة تنوير - العدد الرابع
P. 9
لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا المجلس الأعلى للثقافة
لقـد تركـت تلـك المتغيـ ارت المتداخلـة والمعقـدة تأثيـ ارت الوقـت إجبـار الأسـرة علـى التخلـي عـن عمليـة التنشـئة
سـلبية كبـرى مـن أهـم مظاهرهـا البـارزة تفكيـك منظومـة التـي تضطلـع بهـا وتتـرك مهامهـا لتلـك الوسـائط العالميـة
القيـم الاجتماعيـة التـي تتسـم عـادة بالثبـات النسـبي فـي التـي تتيـح التواصـل الشـخصي عـن بعـد.
وهكـذا سـحبت تلـك الوسـائط دور الأسـرة التربـوي ظـل حالـة الاسـتق ارر المجتمعـي؛ حيـث تتسـلح بمبـادئ
المنـوط بـه نقـل الثقافـة الاجتماعيـة والسياسـية التـي ومـوروث ثقافـي ترسـخ فـي فكـر الشـعوب العربيـة
كان لهـا السـبق فـي ترسـيخ منظومـة إيجابيـة لهـا مـردود والإسـامية ،باعتبارهـا شـعوًبا طرفيـة معولمـة تابعـة
اجتماعـي وسياسـي وأخلاقـي يسـهم فـي بنـاء الـذات لم اركـز العالـم الصناعـي المتقـدم ،وهـي لذلـك ارغبـة –
الاجتماعيـة والسياسـية Political & sociological عـادة – فـي محاكاتهـا لتـك الم اركـز المتقدمـة؛ حيـث
Selfالممهـدة لتشـكيل نمـط مـن الشـخصية قـادرة علـى تنظـر لهـا باعتبارهـا النمـوذج المثالـي للتقـدم والتطـور
مواجهـة المواقـف الحياتيـة وتوجيههـا لصالـح تنميـة
التقنـي ،بـل والباهـر فـي عالمنـا الافت ارضـي.
وتشـير معظـم الد ارسـات الميدانيـة ،التـي أجريـت المجتمـع ،وهكـذا أتاحـت وسـائط الاتصـال الهيمنـة علـى
بهـدف الوقـوف علـي ملامـح التغيـر التـي طـ أرت علـي وظائف التطبيع الاجتماعي والسياسي كبديل عن الدور
الأسـرة وخصو ًصـا فـي المنطقـة العربيـة بفعـل متغيـ ارت الـذي تقـوم بـه الأسـرة فـي عمليـة التنشـئة؛ حيـث تركـز
عصـر الاتصـال الرقمـي ،وبالأخـص «عولمـة الأسـرة» ،تلـك الوسـائط بالدخـول إلـى عالـم الأطفـال؛ لتصنـع لهـم
إلـى نتائـج تؤكـد فقدانهـا لأدوارهـا النشـطة التـي كانـت وسـائل اتصاليـة محملـة بثقافـات ذات لغـة حركيـة باهـرة
تقـوم بـه خـال نقـل خب ارتهـا التربويـة فـي ممارسـتها مسـتخدمة كافـة الوسـائل مثـل الصـورة غيـر النمطيـة
لعمليـة التنشـئة الاجتماعيـة بمفهومهـا التربـوي الواسـع ،واللغـة غيـر المعتـادة التـي تمكنهـا مـن احتـكار تسـليع
ذلـك الـدور التربـوي الـذي تمرسـت عليـه فـي تأديتـه عقـل الطفـل وإخضاعـه لنمـط فكـري ووجدانـي كونـي،
الأسـرة المصريـة لفتـ ارت طويلـة بكفـاءة واقتـدار وجدانـي ،مـن خـال بـث صـور ومعلومـات مخططـة تملـك ركائـز
فقـد كانـت تلـك الأسـر تتميـز بالت اربـط العضـوي وتمثـل قـوة التلاعـب بأدمغـة العقـول؛ حيـث تسـعى لتشـكيل
المصـدر الأولـى والأساسـي للاتصـال التربـوي المباشـر عقـل جماهيـري Mass Mindلكـن يخضـع لمواصفـات
داخـل أروقـة الأسـرة ،إلا أن التغييـر الـذي طـ أر عليهـا لــما يمكـن توصيفـه بأنـه «كـود ثقافـي كونـي» وسـلطة
أَثّـر بصـورة كبـرى علـى بنيـة الأسـرة وبالتبعيـة تضاءلـت «أبويـة مـن نـوع آخـر»!.
ونظـًار إلـى أهميـة موضـوع التغيـر والتغييـر فـي وظائفهـا التـي كانـت تؤديهـا؛ لـذا بـرزت روافـد لصـور
ملامـح ووظائـف الأسـرة العربيـة ،أُثيـرت تسـاؤلات ُكثـر ومظاهـر هـذا التغييـر الـذي طـال بنيـة الأسـرة وأدوارهـا
ُطرحـت علـى طاولـة البحـث ،تتعلـق بقضايـا محورهـا الأساسـية ،خصو ًصـا بعـد انتشـار أنمـاط متعـددة مـن
الفضـاءات تحمـل معهـا وسـائط اتصاليـة حديثـة منتشـرة
اقتصـاد سياسـي وقيـم ثقافيـة ومداخـل أخلاقيـة ،تنطلـق ومتدفقـة بـا حواجـز أو حـدود ممـا مكنهـا فـي زمـن
قياسـي مـن تطويـع عقـول النـاس ودفعهـم للخـروج عـن
مـن رؤيـة ثقافيـة ممـا يسـتدعي فه ًمـا لـرؤى العالـم ويتخـذ نامـوس النظـام الأسـري التقليـدي السـائد وفـي نفـس
منهـج التحليـل الثقافـي للعلاقـة بيـن الأنـا والآخـر وهنـا
9