Page 12 - مجلة تنوير - العدد الرابع
P. 12

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                       ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫التابعـة التـي لـم تُتـح لهـا فرصـة اللحـاق بركـب الحضـارة‬       ‫ت ازيـد الفجـوة بيـن الفقـ ارء والأغنيـاء‪ ،‬وتطـورت الأوضـاع‬
‫الصناعيـة‪ ،‬إضافـة إلـى مـا يشـهده العالـم المتقـدم مـن‬           ‫فـي غيـر صالـح المجتمعـات المحليـة وهـو مـا أدى إلـى‬
‫إبـداع تقنـي وتطـو ارت معرفيـة غيـر مسـبوقة وصلـت‬                ‫ظهـور تكالـب مـن النسـاء للبحـث عـن أعمـال رغـم تدنـي‬
‫إلـى ابتـكا ارت متقدمـة فـي علـوم الـذكاء الاصطناعـي‬             ‫أجورهن‪ ،‬وتقلص دور السلطة الأبوية في رعاية الأبناء‬
‫وتكنولوجيـا الاتصـال الرقمـي‪ ،‬تلـك التـي غيـرت مـن‬               ‫وبـرزت مشـكلات اجتماعيـة منهـا ت ازيـد نسـب الطـاق‪،‬‬
‫مؤشـ ارت التنميـة ومقايـس التقـدم‪ ،‬وبنـاء عليـة أبـدى‬            ‫ومعـدلات الفقـر وأدى ذلـك إلـى ظهـور ت ارجـع فـي أدوار‬
‫العلمـاء ملاحظـات وقدمـوا تنبـؤات حـول أوضـاع العالـم‬            ‫ووظائـف تختـص بعمليـة التنشـئة الأسـرية‪ ،‬وهنـا يتضـح‬

                     ‫الثالـث نوجـز أهمهـا فيمـا يلـي‪:‬‬                     ‫مظاهـر التغيـر فـي بنيـة الأسـرة‪ ،‬مـن أهمهـا‪:‬‬

‫	‪1 -‬بمـا أن العولمـة ليسـت ظاهـرة جديـدة تما ًمـا‪ ،‬بـل‬           ‫	•التحـول فـي طبيعـة العلاقـات داخـل الأسـرة مـن‬
‫إن ظهورهـا بشـكل متسـارع فـي السـنوات الأخيـرة هـو‬               ‫الشـكل الجمعـي الموحـد إلـى النمـط الفـردي ال ارغـب‬
‫نتيجـة منطقيـة للإسـ ارع بخطـط التطويـر ال أرسـمالي فـي‬
‫مجالـي الاقتصـاد والاتصـال والثقافـة؛ لـذا كان التركيـز‬                             ‫فـي الاسـتقلال عـن الأسـرة‪.‬‬
‫يـدور فـي النظـام ال أرسـمالي علـى ب ارمـج توسـيع عمليـات‬
‫الاسـتغلال الاقتصـادي للـدول الفقيـرة والأقـل تطـوًار مـن‬        ‫	•الانتقـال مـن النمـط الإنتاجـي إلـى النمـط‬
‫ناحيـة والدعـم المعرفـي فـي مجـال تنميـة تكنولوجيـا‬              ‫الاسـتهلاكي؛ حيـث ُيلاحـظ انتشـار الب ارمـج‬
‫الاتصـالات مـن ناحيـة ثانيـة‪ ،‬والهيمنـة الثقافيـة لتطويـع‬        ‫الإعلانيـة فـي الفضائيـات التـي تملكهـا الشـركات‬
‫عقـول أبنـاء الـدول الفقيـرة بهـدف خلـق مواطـن ذي هويـة‬          ‫الاسـتثمارية والتـي تقـدم إعلاناتهـا موجهـة نحـو‬
‫كونيـة‪ .‬وعليـه تسـعى الـدول ال أرسـمالية العمـل إلـى تفكيـك‬
‫البنى المؤسسية في تلك الدول وتهميش مصادر التنشئة‬                                   ‫قضايـا اسـتهلاكية للأسـرة‪.‬‬
‫الوطنيـة منـذ البدايـة‪ ،‬فـكان مـن الطبيعـي ت ارجـع الأسـرة‬
‫عـن أداء وظائفهـا الاجتماعيـة والسياسـية ونقـل عمليـة‬            ‫	•التفـكك بيـن أعضـاء الأسـرة وانخفـاض التفاعـل‬
‫التنشـئة إلـى فضـاءات أخـرى تشـكلت فـي هيئـة وسـائط‬              ‫الاجتماعـي والانشـغال بب ارمـج الفضائيـات وت ارجـع‬
‫جماهيريـة بفكـر إعلامـي جديـد يتلاعـب بعقـول البشـر‬
‫لسـرعة إدماجهـم فـي ثقافـة كونيـة بعيـدة عـن خصوصيـة‬                             ‫وظائـف التنشـئة داخـل الأسـرة‪.‬‬
‫ال�دول‪( .‬انظ�ر تحليـالت شـيلر‪« ،‬هربـرت‪ ،‬المتلاعبـون‬
‫بالعقـول»‪ ،‬الترجمـة العربيـة‪ ،‬الكويـت‪ ،‬عالـم المعرفـة‪،‬‬           ‫	•ومـع ت ازيـد العولمـة تغيـرت القيـم الاسـتهلاكية‪،‬‬
                                                                 ‫فـازداد الاقبـال علـى السـلع الاسـتهلاكية المرتبطـة‬
  ‫المجلـس الأعلـى للثقافـة والفنـون والآداب‪.)1986 ،‬‬               ‫بب ارمـج العولمـة علـى حسـاب الإنتـاج المحلـي‪.‬‬

‫	‪2 -‬رغـم انهيـار بنيـة السـلطة الأبويـة داخـل الأسـرة‬            ‫هـذا ويتوقـع الباحثـون فـي شـئون العالـم الثالـث أن‬
‫فـي المجتمعـات التقليديـة المحافظـة والـذي كان لـه –‬             ‫عمليـة الاندمـاج التـي خضعـت لهـا دو ُل الأطـ ارف‬
‫رغـم المحاذيـر عليـه كنظـام مقيـد للحريـات الإنسـانية –‬          ‫فـي النظـام العالمـي الجديـد‪ ،‬وتأثرهـا السـلبي بظاهـرة‬
‫دور إيجابـي يتفـق مـع الثقافـة السـائدة فـي ذلـك العصـر‪،‬‬         ‫العولمـة‪ ،‬ومـا أحدثتـه المتغيـ ارت المعاصـرة مـن تأثيـ ارت‬
‫ويعكـس حالـة التضامـن والاسـتق ارر الاجتماعـي فـي‬                ‫لـم تكـن فـي صالـح الأنظمـة التقليديـة‪ ،‬وخاصـة فـي ظـل‬
‫داخـل الأسـرة‪ ،‬وُيسـهم بفعاليـة فـي ممارسـة أدوار‬                ‫قاعـدة عـدم التكافـؤ الاقتصـادي والسياسـي فـي العلاقـات‬
‫ملائمـة خاصـة بعمليـة التنشـئة الاجتماعيـة والسياسـية‪،‬‬           ‫الدولية بين المركز ال أرسمالي بشروطه المجحفة وسيادة‬
                                                                 ‫هيمنتـه علـي العالـم‪ ،‬يتوقعـون أن تـزداد معانـاة تلـك‬
                                                                 ‫الـدول؛ حيـث تفقـد قدرتهـا علـى مجـا ارة التطويـر وإحـداث‬
                                                                 ‫تنميـة حقيقيـة‪ ،‬فتؤكـد الشـواهد علـى ت ازيـد مسـاحة‬
                                                                 ‫الفجـوات بيـن دول المركـز الرسـمالي‪ ،‬والـدول المحيطيـة‬

                                                             ‫‪12‬‬
   7   8   9   10   11   12   13   14   15   16   17