Page 11 - مجلة تنوير - العدد الرابع
P. 11
لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا المجلس الأعلى للثقافة
1 -الأوضاع الاقتصادية للأسرة وملامح التغير: الاحتـال التـي تعرضـت لهـا وشـكلت النخـوة الذاتيـة لدي
أبنائهـا داخـل الأسـرة أو فـي المجـال العـام (Public
دأبـت الأسـرة – منـذ بدايـة تكوينهـا – فـي معظـم ،)Sphereولـم تبـق هنـاك وظائـف محـددة للأسـرة
المجتمعـات التقليديـة أو شـبه التقليديـة ،والمجتمـع فـي عمليـة التثقيـف الاجتماعـي والسياسـي ،أو دور
العربـي يمتـل نموذ ًجـا لهـا ،علـى تلبيـة سـد احتياجـات يسـهم فـي رعايـة الأبنـاء لمواجهـة حياتهـم المسـتقبلية
أعضائهـا ورعايتهـم مادًّيـا ومعنوًّيـا ،وهـو تعبيـر عـن فلـم ي ُعـد أمـًار متا ًحـا للوالديـن لاتسـاع دائـرة الاتصـالات
ثقافـة عشـائرية وقبليـة ترتكـز علـى مـوروث ثقافـي ودينـي الشـخصية المتناميـة خـارج أروقـة الأسـرة ،بفعـل
يوجههـا نحـو مسـئوليتها تجـاه أبنائهـا ،وبالاطـاع علـى تكنولوجيـا الوسـائط الإعلاميـة ذائعـة الانتشـار والتأثيـر،
التـ ارث التاريخـي لتـك المجتمعـات يتضـح أن معظمهـا فلـم تعـد السـلطة الأبويـة – وفًقـا لشـعا ارت التحـرر مـن
كانـت تتخـذ مـن الوظيفـة الاقتصاديـة سـبيلاً للتكافـل كافـة القيـود باعتبارهـا حًّقـا إنسـانًّيا عالمًّيـا – مقبولـة
الاجتماعـي والتماسـك والتضامـن الآلـي بيـن أعضائهـا، مـن الأبنـاء حتـي فـي مرحلـة النمـو الأوليـة مـن سـن
فقـد كانـت تمثـل وحـدة إنتاجيـة يسـهم أعضاؤهـا فـي الطفولـة ،كمـا لـم تتـح الفـرص لعلاقـات مسـتقرة داخـل
حيـز الفضـاء الأسـري بسـبب متغيـ ارت النظـام العالمـي
انتـاج حاجتهـم الز ارعيـة والحرفيـة. وشـروط العولمـة وآليـات اندمـاج الـدول فيـه ،وانعكاسـات
تلـك الآليـات السـلبية علـي النظـم الاجتماعيـة ككل.
ومـع نشـوء الدولـة اتجهـت معظـم القـوى العاملـة
للعمـل فـي أجهـزة الدولـة حتـى أنهـا تضخمـت بالعمالـة ولا جـدال فـي أن انعكاسـات تلـك المتغيـ ارت – فـي
لتصـل إلـى %70مـن حجـم القـوي العاملـة ،وهنـا تخلـت معظمهـا – غيـر إيجابيـة؛ خاصـة فـي تلـك المجتمعـات
الأسـرة عـن الأعمـال الإنتاجيـة التـي كانـت تميزهـا التـي تمـر بمرحلـة انتقاليـة نحـو محـاكاة التحديـث كمـا
كوحـدة إنتاجيـة متماسـكة ومـن ثـم بـدأت بـوادر التمـزق انطلـق وترسـخ فـي ثقافـة المجتمعـات الأوربيـة الغربيـة
التدريجـي داخـل الكيـان العائلـي؛ حيـث بـات اسـتقلال فـي القـرن التاسـع عشـر ،وتطـور بصـورة غيـر مسـبوقة
الأعضـاء وخروجهـم إلـى الفضـاء الخارجـي أمـًار بعـد الحـرب البـاردة وانتقـل إلـى م ارحـل ُعليـا تتخطـى
محت ًمـا( .عبـد العزيـز علـى الخ ازعلـة« ،العولمة والأسـرة: مـا بعـد العصـر الصناعـي إلـى تكنولوجيـا الاتصـالات
تحليـل سوسـيولوجيا ،فـي« :الأسـرة المصريـة وتحديـات والشـمول الرقمـي والـذكاء الاصطناعـي؛ لذلـك كانـت
العولمـة »،مركـز البحـوث والد ارسـات الاجتماعيـة، التأثيـ ارت علـى الأسـرة سـري ًعا ومكثًفـا ،باعتبارهـا الخليـة
الأولـى والوعـاء الـذي ُيجسـد الحيـاة الاجتماعيـة والثقافيـة
جامعـة القاهـرة ،2002 ،ص ص .)54-45 للأف ارد وهو ما ظهر بأنماط مختلفة في شـكل العلاقات
الاجتماعيـة بيـن طرفـي العلاقـة داخـل النظـام الأسـري
ومـع التطـور فـي النظـام العالمـي وانتشـار العولمـة بيـن أربـاب الأسـرة وأبنائهـا ،ويمكـن إيجـاز تأثيـر تلـك
كظاهـرة مؤثـرة بقـوة ،نشـأت المـدن الصناعيـة فـي دول المتغيـ ارت العالميـة وانعكاسـاتها علـى وظائـف وأدوار
العالـم الأقـل تطـوًار ،وتأسسـت الشـركات الاسـتثمارية
الغربيـة فـي تلـك المـدن ،ممـا شـكل تطلعـات لـدى القـوى الأسـرة فـي عمليـة التنشـئة السياسـية فـي التالـي:
العاملة للعمل في تلك الشركات ،والتخلي عن الوظائف
الحكوميـة فـي أجهـزة الدولـة ممـا أدى إلـى أضعـاف
القـوى الإنتاجيـة المحليـة فـي تلـك الـدول ،وصاحـب ذلـك
11