Page 17 - مجلة تنوير - العدد الرابع
P. 17

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                    ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫المفكريـن السياسـيين الغربييـن يعتقـدون بـأن وجـود دولـة تشـاب ًها وثيًقـا خاصـة مـع الفكـر الرواقـي كمـا تـم تطويـره‬
‫عالميـة أو مواطنـة عالميـة‪ world state or world‬فـي الفكـر الغربـي الرومانـي‪ ،‬وينتقـل بنـا ديريـك هيتـر‬

‫إلـى العصـور الحديثـة‪ ،‬دون أن يذكـر شـيًئا عـن الفكـر‬         ‫‪ citizenship‬أو كليهمـا أمـر مرغـوب فيـه وممكـن‪.1‬‬
‫الإسـامي‪ ،‬مشـيًار إلـى وجـود العديـد مـن الكتابـات التـي‬
‫تدعـو إلـى مجتمـع عالمـي أو دسـتور عالمـي رسـمي فـي‬           ‫ويشـير إلـى أن مفهـوم الوحـدة الإنسـانية وإمكانيـة تحقـق‬

‫البلـدان الآسـيوية فـي القـرن التاسـع عشـر‪ ،‬ويستشـهد‬          ‫هـذه الوحـدة فـي شـكل سياسـي أمـر ممكـن وليـس جديـًدا‬
                                                              ‫ويؤكـد ذلـك حيـن يذكـر‪“ :‬أن الإيمـان بإمكانيـة وجـود‬

‫وحـدة عالميـة ونظـام للعالـم ليـس جديـًدا‪ ،‬علـى الأقـل مـن النصـوص الآسـيوية بتعاليـم النبـي الفارسـي بهـاء‬
‫منـذ أيـام حـكام شـانغ ال ارحليـن (حوالـي عـام ‪ 1000‬الله ‪( prophet Baha’u’llah‬مواليـد ‪،)1817‬‬

‫قبـل الميـاد) ومـن الرواقييـن الذيـن مثلـوا فـي عصورهـم منشـئ العقيـدة البهائيـة (الـذي اجتـذب أي ًضـا العديـد‬
‫أكثـر الثقافـات المتحضـرة فـي العالـم‪ ،‬كان هنـاك – مـن الأتبـاع فـي الـدول الغربيـة)؛ وأعمـال المحامـي‬

‫فـي الشـرق وفـي الغـرب علـى حـد سـواء – اعتقـاد بـأن الدسـتوري اليابانـي أزوسـا أونـو ‪( Azusa Ono‬م‪.‬‬

‫الحـرَب والقسـمة السياسـية لا تتفـق مـع مقاصـد الـروح ‪)١٨٩٢‬؛ ومقترحـات الباحـث الصينـي كانـج يـو وي‬
               ‫الخلقيـة العقلانيـة والحميـدة‪ ،‬سـواء كانـت طبيعـة وثنيـة ‪( K’ang Yu-wei‬مواليـد ‪.)1858‬‬

‫ويذكـر أن هـذا الأخيـر عمـل علـى مخطـط للحكومـة‬               ‫أو إنسـانية حديثـة أو جنـة صينيـة أو الله فـي المسـيحية‬
‫العالمية من منتصف الثمانينيات من القرن التاسع عشر‬             ‫‪ 2“ Christian God‬فيشـير إلـى أن فكـرة الدولـة‬
‫وأكملـه تحـت عنـوان تـا تونـغ شـو‪Ta T ‘ung Shu‬‬                ‫العالمية ‪ world state‬كانت ارسخة في كل من الهند‬
‫فـي عـام ‪ ، 1902‬علـى الرغـم مـن أنـه لـم ُينشـر إلا بعـد‬      ‫والصيـن‪ .‬لقـد طـور الهنـدوس مفهـوم ‪ ،Advaita‬وتـا‬
‫وفاتـه عـام ‪ .1935‬فـي وقـت نشـره‪ ،‬انضـم إلـى العديـد‬          ‫تونج ‪ ta t ‘ung‬الصينية‪ ،‬التي ترتبط بشـكل خاص بـ‬
‫مـن الكتـب الغربيـة الأخـرى التـي كتبـت عـن الحكومـة‬          ‫كونفوشـيوس‪ .‬فقـام المهاتمـا غانـدي بترجمـة ‪Advaita‬‬
‫العالميـة ‪ . world government‬ومـع ذلـك‪ ،‬فإنـه مـن‬             ‫علـى أنهـا “الوحـدة الأساسـية بيـن الله والإنسـان‪ ،‬و قـد‬
‫حيـث المفهـوم قـد يعتبـر بالفعـل أول مخطـط تفصيلـي‬            ‫قـام الدكتـور جـون كيانـغ بترجمـة تـا تونـغ ‪ta t ‘ung‬‬
‫يتـم إنتاجـه فـي سـياق الظـروف السياسـية فـي العالـم‬          ‫إلـى “مجتمـع كبيـر يضـم جميـع النـاس تحـت السـماء”‪،‬‬
‫الحديـث‪ .4‬ويذكـر هيتـر أن فكـرة الانتمـاء إلـى مجتمـع‬         ‫ويـرى ديريـك هيتـر أن عقيـدة أدفايتـا ‪ Advaita3‬تتشـابه‬

‫واحـد و‪ /‬أو الحاجـة إلـى بنيـة سياسـية عالميـة‪global‬‬          ‫‪Government Cosmopolitan Ideas in the History‬‬
                                                              ‫‪of Western Political Thought , First published‬‬
‫‪ political structure‬تتكـرر باسـتم ارر فـي الـدول‬              ‫‪in Great Britain 1996 by MACMILLAN‬‬
                                                              ‫‪PRESS LTD‬‬
‫الغربية منذ الرواقين اليونانيين ‪ Greek Stoics‬وصولاً‬           ‫‪(1) Ibid. Introduction,p.9.‬‬
‫إلـى علمـاء البيئـة المعاصريـن‪ ،‬فقـد أنتـج كل عصـر‬            ‫‪(2) S. Pargellis (ed.), The Quest for Political‬‬
                                                              ‫‪Unity in World History (Washington, DC:‬‬
‫تفسـيره الخـاص للموضـوع الأساسـي‪ ،‬طبًقـا لافت ارضاتـه‬         ‫‪American Historical Association, 1944) p. vii‬‬
   ‫وتجاربـه الفرديـة واهتماماتـه السياسـية والأخلاقيـة‪.5‬‬      ‫(‪ )3‬عقيـدة هنديـة‪ ،‬أن يحـدد الـذات الفرديـة (عتمـان) مـع أرض‬
                                                              ‫الواقـع (ب ارهمـان)‪ .‬يرتبـط بشـكل خـاص بالفيلسـوف الهنـدي‬
‫‪(4)Derek Heater: World Citizenship‬‬  ‫‪and‬‬
‫‪Government, Introduction, p.10.‬‬                                                                  ‫شـانكا ار (‪.)820-788‬‬
‫‪)5) Ibid.‬‬

                                                          ‫‪17‬‬
   12   13   14   15   16   17   18   19   20   21   22