Page 21 - مجلة تنوير - العدد الرابع
P. 21

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                   ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫والمقاومة؛ لأن الانتشار العالمي لفكرة التعددية الثقافية‬      ‫معالتعدديـة الثقافيـة ومـع التعـدد العرقـي‪ .1‬والمسـتوى‬
                  ‫كان ولا يـ ازل محـ َّل نـ ازع عميـق‪.4‬‬      ‫الثانـي‪ :‬يتعلـق بعمليـة تقنيـن التعدديـة الثقافيـة فـي‬
                                                             ‫مجموعـة مـن القواعـد الدوليـة القانونيـة (أو شـبه‬
‫لمـاذا إذن القلـق والمقاومـة‪ ،‬والنـ ازع العميـق حـول‬         ‫القانونيـة) تتجسـد فـي إعلانـات لحقـوق الأقليـات‪ ،‬وقـد‬
‫الانتشـار الدولـي لفكـرة التعدديـة الثقافيـة وحقـوق‬          ‫شـهدت السـنوات الأخيرة تكثيًفا للجهود وتنمية للمعايير‬
‫الأقليات‪ ،‬الذي أثّر بدوره على إعادة تشـكيل التصو ارت‬         ‫الدوليـة لحقـوق الأقليـات علـى الصعيديـن المحلـي‬
‫والمفاهيـم التقليديـة لسـيادة الدولـة والقوميـة والمواطنـة؟‬  ‫والكونـي‪ ،‬ويذكـر لنـا كيمليـكا العديـد مـن إعلانـات‬
                                                             ‫حقـوق الأشـخاص الذيـن ينتمـون إلـى أقليـات قوميـة‬
‫يدافـع كيمليـكا عـن المعاييـر المشـروعة للتعدديـة‬            ‫أو عرقيـة أو دينيـة أو لغويـة‪ ،‬ومنهـا مـا تبنتـه الأمـم‬
‫الثقافيـة التـي دفـع بهـا القانـون الدولـي والمنظمـات‬        ‫المتحـدة فـي عـام ‪ ،1992‬كمـا ناقشـت مسـودة لإعـان‬
‫الدوليـة‪ ،‬ويعتبرهـا تطـوًار طبيعًّيـا ومنطقًّيـا لمعاييـر‬    ‫حقـوق الشـعوب الأصليـة‪ ،‬وهنـاك منظمـات دوليـة‬
‫حقـوق الإنسـان العالميـة‪ ،‬وهـي تعمـل داخـل ضوابـط‬            ‫أخـرى بيـن الحكومـات مثـل «منظمـة الأمـم المتحـدة‬
‫تلـك المعاييـر‪ ،‬وبهـذا المعنـى‪ ،‬فإنهـا تعمـل علـى تعميـق‬     ‫للتربيـة والعلـوم والثقافـة» (اليونسـكو ‪)UNESCO‬‬
‫وتدعيـم ثـورة واسـعة لحقـوق الإنسـان‪ .5‬وهكـذا يبحـث‬          ‫ومنظمـة العمـل الدوليـة والبنـك الدولـي‪ ،‬طـورت بدورهـا‬
‫كيمليـكا عـن مشـروعية قانونيـة دوليـة تمثـل مدخـاً‬           ‫قواعـد ومعاييـر جديـدة بشـأن حقـوق الأقليـات‪ ،‬وحقـوق‬
‫ثو ّرًيـا للمطالبـة بحقـوق الأقليـات مـن داخـل إطـار حقـوق‬   ‫الشـعوب الأصليـة‪ ،2‬ورغـم ذلـك فإنـه يقـول‪”:‬إن معظـم‬
‫الإنسـان العالميـة‪ ،‬لكـن مـا الـذي يمكـن أن يقـوم بـه‬        ‫هـذه الاتفاقـات والإعلانـات لا يمكـن فـي الواقـع تنفيذهـا‬
‫المجتمـع الدولـي بالضبـط تجـاه علاقـة الدولـة بالأقليـات؟‬    ‫مـن الناحيـة القضائيـة‪ ،‬أي أن الأفـ ارد والجماعـات‬
‫وهـل يمكـن فـي الواقـع تطبيـق الاتفاقيـات التـي أقّرتهـا‬     ‫لا يمكنهـم الذهـاب إلـى أي محكمـة دوليـة لإرغـام‬
‫المنظمـات الدوليـة بخصـوص حقـوق الإنسـان العالميـة؟‬
‫مـاذا عـن حقـوق الإنسـان العربـي فـي فلسـطين وسـوريا‬                ‫حكوماتهـم علـى السـير طبًقـا لهـذه القواعـد”‪.3‬‬
‫والعـ ارق واليمـن‪ ،‬وفـي كل ربـوع الوطـن العربـي؟ مـاذا‬
‫عـن حقـوق المسـلمين فـي كل مـكان؟ هـل مصطلـح‬                 ‫إذن يتحـدث كيمليـكا عـن مسـتوى سياسـي يقـوم بـه‬
                                                             ‫المجتمـع المدنـي‪ ،‬ومسـتوى قانونـي تقـوم بـه المنظمـات‬
                      ‫“الوطـن العربـي” بـا معنـى؟‬            ‫العالميـة للحفـاظ علـى حقـوق الإنسـان ومنهـا حقـوق‬
                                                             ‫الأقليـات والشـعوب الأصليـة‪ ،‬كمـا يـرى أن هـذه‬
‫يذكـر لنـا كيمليـكا أن بعـ َض النقـاد ينظـرون إلـى‬           ‫العمليـات المزدوجـة لانتشـار فكـرة التعدديـة الثقافيـة‬
‫الحركـة العامـة لنشـر التعدديـة الثقافيـة وحقـوق الأقليـات‬   ‫وحقوق الأقليات قد أعادت تشـكيل التصو ارت والمفاهيم‬
‫علـى أنهـا خيانـة للمثـل العليـا الأساسـية للمجتمـع‬          ‫التقليديـة المتعلقـة بسـيادة الدولـة والقوميـة والمواطنـة‪،‬‬
‫الدولـي‪ ،‬تـرى إيليـن فينكلكـروت‪ ،‬علـى سـبيل المثـال‪،‬‬         ‫ممـا يدعـم النظـام العالمـي للـدول القوميـة‪ ،‬وفـي نظـر‬
‫أن احتضـان الأمـم المتحـدة فكـرة التعدديـة الثقافيـة‬         ‫كيمليـكا أن الـدول القوميـة تُبـدي قـدًار ملحو ًظـا مـن القلـق‬
‫تضمـن التخلـي عـن الفكـرة الكليـة العامـة لعصـر التنويـر‬

                        ‫مصلحـة النسـبية الثقافيـة‪.6‬‬

‫(‪ )4‬المرجع السابق‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬                                  ‫(‪ )1‬المرجع السابق‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
  ‫(‪ )5‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.21‬‬                                ‫(‪ )2‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬صص‪.19-18‬‬
‫(‪ )6‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.21‬‬
                                   ‫‪21‬‬                               ‫(‪ )3‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.19‬‬
   16   17   18   19   20   21   22   23   24   25   26