Page 9 - مجله_ی_نوابت،_شماره_ی_۴_نقد،_مهر_۱۳۹۹
P. 9

‫العقـل‪ ،‬المرتـوي مـن معينـه‪ ،‬عقال يسـمونه عندهـم‬                                             ‫الحضـارة العربيـة‪ ،‬منـذ بـزوغ عصـر التدويـن‪ ،‬و هـي‬
‫بـ«الله»‪ ،‬صاحـب خارطـة أوامـرالإنسـان القاصـرالعقـل‬                                          ‫منشغلة بالفضاء الميتافيزيقي العصرتدويني‪ ،‬وتبعاته‬
‫العقـل بمـا‬   ‫أونـنهواغهيـيـرهتـ‪،‬امك‪،‬مـافأهـوشـرنخاا؛ضـوعثانلليـاعيقـعلنـايل ُهعـلـذاو أي‪،‬ن‬  ‫ايلإبصـلسـتمينـمهولللوإنجيسـةا‪ ،‬انل‪،‬تـإيلاوأوضاعمــرتواَنـل َلوها ٍهق‪،‬طيـكـبوانلومجـصودد‪،‬رهلـاا‬
‫لا تبقـى لـه‬                                                                                 ‫النقـل‪ ،‬لا العقـل‪ .‬فالحضـارة العربيـة بهـذا المعنـي‪ ،‬هـي‬
‫أي فاعليـة يمارسـها‪ ،‬سـواء فـي تخطيطـه للحيـاة‪ ،‬أو‬
‫لقبـول الأفـكارو القيـم و ابتداعهـا‪ ،‬مـا يجعـل الحاجـة‬                                       ‫حضـارة إلهيـة‪ ،‬أي أنهـا تضـع فـي قلـب نشـاطها الفكـري‬
‫إلـى برنامـج «هدايـة»‪ ،‬حاجـة ضروريـة‪ .‬فعندمـا يجـد‬                                           ‫والعملـي والحضـاري إلـخ‪ ،‬الله موضـع الغايـة‪ ،‬تنطلـق‬
‫هذا العقل‪ ،‬في عمله البحثي عن الله‪ ،‬يجد ما هومغاير‬                                            ‫منـه‪ ،‬لتعـود إليـه‪ .‬علـى أنـه يجـب العنايـة بقضيـة‬
‫للتعاليـم الأزليـة الأبديـة‪ ،‬سـرعان مـا تلفيـه يسـتنكر‬                                       ‫إبسـتيمولوجية هامـة‪ ،‬فـي عرضنـا لهـذه الأفـكار‪ ،‬تقـول‬
‫بديـع مـا وجـد‪ ،‬لأنـه يخالـف المعهـود مـن الهدايـة‪ ،‬مميتـا‬                                   ‫بأننـا لا نريـد منهـا‪ ،‬الخـوض فـي غمـار آراء الفلاسـفة و‬
‫هـذا‪ ،‬بـالآن ذاتـه‪ ،‬أي تفتـح لـه‪ ،‬أوإمكانيـة للخـروج عـن‬                                     ‫الفقهـا و العلمـا إلـخ‪ ،‬العـرب المسـلمون‪ ،‬واحـدا بعـد‬
              ‫المعهـود المتخشـب‪.‬‬                                                             ‫واحـد‪ ،‬نستشـهد بـذا‪ ،‬و نـذم ذاك‪ ،‬بـل إن مـا يهمنـا‬
‫وهذا هوالحال أيضا في الحضارة الأوروبية الوسيطة‪،‬‬                                              ‫االل ُمإبْسـلسـتمي‪،‬مبولشـوتجىية‪:‬صنـفوقـفد‬  ‫منهـم‪ ،‬هـو نقطـة انطلاقهـم‬
‫مـن تقـدم للإلهـي الروحانـي علـى الإن�سـي الدنيائـي‪ ،‬حتـى‬                                                                               ‫كان المنطلـق الإبسـتيمولوجي‬
‫بزغ عصرالهيومانيزم‪ ،‬بفطاحله في الفلسلة‪ ،‬يتقدمهم‬                                              ‫معارفـه‪ ،‬مـن تصـوف و فقـه و بيـان و حتـى فلسـفة‪،‬‬
‫ديكارت‪ ،‬يهجسهم هاجس حرية الإنسان اللامتناهية‪،‬‬                                                ‫ينطلـق مـن أن المعرفـة البشـرية‪ ،‬أي العقـل البشـري‪،‬‬
‫وقيمة وجوده وعقله‪ :‬عصرالحرية وحلول الإنسان‪،‬‬                                                  ‫الـذي قلنـا عنـه فـي الفقـرة السـابقة أنـه صانـع العالـم‪،‬‬
‫محـل قطـب الوجـود‪ .‬فالفيلسـوف رنـه ديـكارت (المتوفـی‬                                         ‫وأنـه تامـا‪ ،‬وأنـه هـوميـزان كل �شـي‪ ،‬هـوعقالناقصـا‪ ،‬لا‬
‫سـنة‪ 1650‬م)‪ ،‬أهـدى بشـكه‪ ،‬إلـى أن الكـون كلـه‪،‬‬                                               ‫يدرك من الوجود إلا ما جاء في نطاق مدركاته‪ ،‬المعبئة‬
‫صنيعـة البشـر‪ .‬فالكجيتـو الديكارتيـة‪ ،‬لـم تكـن تعنـي‬                                         ‫فـي بطـون دماغـه‪ ،‬حسـب عبـارة إبـن خلـدون‪.‬‬
‫سـوى أن غيـاب العقـل البشـري‪ ،‬و انعـدام فاعليـة‬                                              ‫فإذا أخذنا العلامة إبن خلدون (المتوفى سنة ‪ 808‬هـ)‪،‬‬
‫الـذات‪ ،‬تعنـي لامحالـة‪ ،‬السـقوط فـي تيـه‪ ،‬يعـدم الكـون‬                                       ‫نموذجـا‪ ،‬لمـا لـه مـن مكانـة كبيـرة بيـن المحدثيـن العـرب‬
‫والكينونـة‪ ،‬ويبقيهـا مـادة هيولانيـة‪ ،‬لا ترتيـب فيهـا ولا‬                                    ‫إ‪-‬لبـىدأبء بييمعحرمـبداالملرجزابوـقري‪-‬يل‪،‬كمـونرهورمايبنراونصهيِـذ ْرفوةنالصـعاقرولاولعصـربولاي‬
                                                                           ‫انتظـام‪.‬‬
‫بهلــغذاعالـلنىـ يزـود اعل افليلهيسـوموانـفيإ‪،‬يماالمنروتئـكـلزكا ْنعلـْىت‬  ‫علـى أن كمـال‬     ‫المتحـرر عـن القيـود المعهـودة فـي التفكيـر العربـي‪ ،‬إذا‬
                                                                           ‫الـذات العاقلـة‪،‬‬  ‫نظرنـا إلـى آراء صاحـب المقدمـة‪ ،‬نظـرة إبسـتيمولوجية‪،‬‬
‫)المتوفـى ‪ 1804‬م( إذ يمكـن إعتبـاررسـالته‪ ،‬فـي الإجابـة‬                                      ‫وجدنـاه يقـول بثالث مراتـب فـي الوجـود‪ :‬هـي المرتبـة‬
‫عن مفهوم عصرالتنوير‪ ،‬أبلغ دفاع عن الذات الفاعلة‬                                              ‫الحسـية‪ ،‬و مدركهـا الحـواس‪ ،‬و المرتبـة العقليـة‪ ،‬و‬
‫المتحـررة‪ ،‬التـي يجـب أن تحقـق انعتاقهـا التـام‪ ،‬مـن أي‬                                      ‫المرتبـة الروحيـة‪ ،‬و مدركهـا‬               ‫األوبالشـ ُع ْرلـيو‪،‬ي‪:‬و‬  ‫مدركهـا العقـل‬
‫قيمومـة متعاليـة‪ .‬يقـول فـي بدايـة هـذه الرسـالة‪ :‬إن‬                                         ‫و هـي أعلـى مراتـب الوجـود‪.‬‬                                         ‫العقـل الإلهـي‪،‬‬
‫التنويريعني الانعتاق من حالة العجزالذاتي‪ .‬والعجز‬                                             ‫وأيـم الله هـي هـذه القاصمـة‪ :‬القـول بعالـم فـوق طـوق‬
‫هنا هوعجزالفرد في استخدام عقله‪ ،‬من دون توجيه‬                                                 ‫العقـل! ومـن دون الزيـادة فـي الشـرح‪ ،‬نسـارع إلـى الـكلام‬
‫أحـد‪ .‬إذا لـم يكـن سـبب هـذه الحالـة‪ ،‬هـوعـدم النضـج‬                                         ‫فنقـول‪ ،‬إن وجـوه الكارثـة‪ ،‬الكامنـة فـي القـول بعالـم‬
‫الذاتـي‪ ،‬ونقـص فـي ملكـة الفهـم‪ ،‬فهـوبالحـري ناتـج عـن‬                                       ‫علـوي‪ ،‬فـوق الطـوق البشـري‪ ،‬هـي أنـه أولا إيذانـا‪ ،‬مـن‬
‫نقصـان فـي الشـجاعة والإقـدام‪ ،‬لاسـتخدامه مـن دون‬                                            ‫جـراء ذلـك‪ ،‬لدخـول مـن يدعـي الاتصـال بهـذا العقـل‪ ،‬و‬
‫إرشـاد الآخر‪ .‬ليكن شـعارالتنويرإذن‪ :‬تح ّل بالشـجاعة‬                                          ‫الـله‪،‬ح لدمـيـا يثتبماتـعسـمبـهه‪،‬مـونال ُنمـيْادبِـر ٍةكعأنـوفـهى‪،،‬يوجـعبقـانلقأيـاسـدماىل‪،‬كامـفـةن‬
‫لاستخدام عقلك بنفسك (‪ .)Sapere aude‬إن العجز‬                                                  ‫عقـل البشـر! و هـذا بالتحدیـد هـو مـا حـدث و يحـدث‬
‫والكسـل همـا السـبب وراء انقيـاد هـذا الحجـم الكبيـر‬
‫مـن البشـر‪ ،‬علـى الرغـم مـن أن الطبيعـة حررتهـم دائمـا‬                                       ‫إلـى اليـوم‪ ،‬فـي الحضـارة العربيـة الإسالمية‪ ،‬مـن ادعـا‬
‫من أي قيادة دخيلة‪ ،‬إلاأنهم يبقون بسعادة‪ ،‬عاجزين‬                                              ‫الفقهـاء‪ ،‬سـدنة المقـدس‪ ،‬أنهـم يمثلـون المتصـل بهـذا‬

                                                                           ‫شماره ‪ /4‬اهــواز‪ /‬مــهر ‪ /1399‬سپتامبـر ‪9 2020‬‬
   4   5   6   7   8   9   10   11   12   13   14