Page 391 - مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ
P. 391

‫‪193‬‬  ‫‪ ، 00‬سنلإو ا !ب!د التا اين!‬

       ‫عياض ) أنه قال ‪" :‬ما من نفس تموت أشد علي موتا من أمير المؤمنين هارون ‪ ،‬ولوددت‬
    ‫أن اللّه زاد من عمري في عمره لما ‪ .‬وقال الإمام (منصور ابن عمار‪" :‬ما رأيت أغزر دمغا عند‬
    ‫الذكر من ثلاثة الفضيل بن عياض والرشيد واخر" وقد قال له العالم الرباني الفضيل ذات‬

      ‫مرة ‪" :‬يا حسن الوجه (وقد كان الرشيد جميلأ جدَا) أنت المسئول عن هذه الأمة ‪ ،‬فجعل‬
‫هارون يبكى ويشهق حتى كاد يُغمى عليه "‪ ،‬ورُوي أن (ابن السماك ) دخل على الرشيد"‬

   ‫يوما فاستسقى فأتى بكوز فلما أخذه قال ‪" :‬على رسلك يا أمير المؤمنين لو منعت هذه‬
  ‫الشربة بكم كنت تشتريها؟" قال هارون ‪" :‬بنصف ملكي " فلما شرجمها قال له ‪" :‬أسألك لو‬
‫منعت خروجها من بدنك بماذا كنت تشترى خروجها" فقال هارون ‪ " :‬بجميع ملكي ! "‬
 ‫عندها نظر العالم الجليل إلى أمير المؤمنين هارون الرشيد وقال له ‪" :‬إن ملكَا قيمته‬

     ‫شربة ماء وبَولة ‪ ،‬لجديرٌ أن لا يُنافسَ فيه !" فبكى هارون الرشيد بكاء شديدا حتى أشفق‬
                                                                                                                                 ‫عليه من حوله‪.‬‬

‫وعلى الرغم من ورع الرشيد وتفرغه للعبادة وقيام الليل ‪ ،‬فإنه لم يهمل شئون الدولة‬
‫الإسلامية البتة ‪ ،‬فقد كان عهد الخليفة العباسي العظيم هارون الرشيد أعظم عهدٍ في‬

‫تاريخ الدول الإسلامية على الإطلاق من ناحية الازدهار الاقتصادي ‪ ،‬والتقدم العلمي‬
‫المبهر‪ ،‬والتطور الحضاري العظيم ‪ ،‬فقد أنشأ هارون الرشيد بمشورة من زوجته الصالحة‬

  ‫المجاهدة (زبيدة) طرفا ممتدة توصل بلاد المسلمين بمكة والمدينة ‪ ،‬وأقام على جوانب‬

   ‫هذه الطرق الفنادق المجانية لزوار الحرم ‪ ،‬كما أنشأ الرشيد أول جامعةِ علمية في تاريخ‬
      ‫البشرية أسماها "بيت الحكمة "‪ ،‬وزودها بأعداد كبيرة من الكتب والمؤلفات من مختلف‬

‫بقاع الأرض كالهند وفارس والأناضول واليونان ‪ ،‬وكانت تضم غرفَا عديدة تمتد بينها‬
 ‫أروقة طويلة ‪ ،‬خُصِّصت بعضها للكتب ‪ ،‬وبعضها للمحاضرات ‪ ،‬وبعضها الاَخر‬

   ‫للناسخين والمترجمين والمجلدينا وكان الرشيد يشرف عليها شخصيًا هو وكبار رجال‬
      ‫دولته ‪ ،‬فكانوا يقفون وراء هذه النهضة بكل ما أوتوا من قوة (قارن ذلك بصورة سهرات‬

 ‫الأنس التي ضوَّرها الإعلام عن الخليفة ووزراء !)‪ ،‬فكانوا يصلون أهل العلم والدين‬
   ‫بالصلات الواسعة ‪ ،‬ويبذلون لهم الأموال تشجيعَا لهم ‪ ،‬وكان الرشيد نفسه يميل الى أهل‬

‫الأدب والفقه والعلم ‪ ،‬ويتواضع لهم حتى إنه كان يصب الماء في مجالسه على أيديهم‬
   386   387   388   389   390   391   392   393   394   395   396