Page 392 - مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ
P. 392

‫‪ ،00‬هل لحظما ‪ 4‬اهة الاسلاكا‬                             ‫‪293‬‬

‫بعد الاكل ‪ ،‬فغدت حاضرة الرشيد دابغداد" قبلة لطلاب العلم من جميع البلاد‪ ،‬ليجدوا‬

   ‫فيها كبار الفقهاء والمحدثين والقراء واللغويين وعلماء الرياضيات والترجمة وعلوم‬
‫الطبيعة والفلك ‪ ،‬وكانت المساجد تحتضن دروسهم وحلقاتهم العلمية التي كان كثير‬

  ‫منها أشبه بالمدارس العليا‪ ،‬من حيث غزارة العلم ‪ ،‬ودقة التخصص ‪ ،‬وحرية الرأس‬
‫والمناقشة ‪ ،‬وثراء الجدل والحوار (قارن ذلك بحال المساجد هذه الأيام !)‪ ،‬وأُنفق‬

     ‫الرشيد الأموال الطائلة في النهوض بالدولة الإسلامية العظمى ‪ ،‬وتنافس كبار رجال‬
     ‫الدولة في إقامة المشروعات كحفر الترع والأنهار‪ ،‬وبناء الحياض ‪ ،‬وتشييد المساجد‪،‬‬

   ‫وإقامة القصور‪ ،‬وتعبيد الطرق ‪ ،‬بل إن الخليفة الإسلامي العظيم هارون الرشيد وضع‬
‫بنفسه خطة علمية متكاملة ‪ ،‬وميزانية ضخمة ‪ ،‬لحفر قناةٍ بحريةٍ عملاقة ‪ ،‬تربط بين البحر‬

‫الأبيض المتوسط (بحر الروم ) والبحر الأحمر (بحر القلزم )‪ ،‬إ لا أنه رحمه الله وجزاه كل‬

‫خير خشي أن يفتح المحجال بذلك للروم للعبور من خلال تلك القناة ‪ ،‬فتكون مكة‬

‫فكرة إنشاء "قناة‬  ‫والمدينة في متناول أيديهم ‪( .‬وبذلك يكون هارون الرشيد هو صاحب‬

‫السويس " قبل أن تُنسب بعد ذلك بألف عام للص الفرنسي "فرديناندو ديليسبس " والذي‬
                                                                     ‫سرق أموالها بعد ذلك لسنوات طوال !)‪.‬‬

‫معروفة في عهد الرشيد باسم دامدينة‬  ‫قبلة الدنيا‪ ،‬وأصبحت‬  ‫أما "بغداد" ففد أصبحت‬

‫السلام "‪ ،‬فقد حظيت هذه المدينة التي بناها العباسيون حاضرة العالم بأسر بنصيب وافرٍ‬
‫من العناية والاهتمام من قبل الخليفة الرشيد وكبار رجال دولته الأبطال ‪ ،‬حتى بلغت في‬

  ‫عهده قمة مجدها وتألقها‪ ،‬فاتسع عمرانها‪ ،‬فزاد عدد سكانها حتى بلغ نحو مليون نسمة‬

‫(وقد كانت أعلى نسبة سكان لمدينة في العالم بأسره ‪ ،‬تلتها مدينة إسلامية ثانية هي قرطبة‬
‫الأندلسية ‪ ،‬وإشبيلة الإسلامية في المركز الثالث على مستوى العالم )‪ ،‬فبُنيت في بغداد‬

‫المساجد الضخمة ‪ ،‬والمدارس المتنوعة ‪ ،‬والمعاهد العلمية المتطورة ‪ ،‬والقصور‬

‫بغداد من اتساعها‬  ‫الفخمة ‪ ،‬والأبنية الرائعة التي امتدت على جانبي دجلة ‪ ،‬فأضبحت‬

‫كأنها مدن متلاصقة ‪ ،‬فصارت أكبر مركز للتجارة الحرة في العالم ‪ ،‬حيث كانت نأتيها‬

‫البضائع من الصين والهند وأوروبا وأفريقيا‪ ،‬فهاجر إليها فقراء النصارى واليهود‪،‬‬

‫فاستقبلهم المسلمون بكل تسامحٍ ديني (سيتعامل هولاء فيما بعد مع هولاكو لإسقاط‬
   387   388   389   390   391   392   393   394   395   396   397