Page 134 - رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
P. 134

‫‪ www.islamicbulletin.com‬رﺟﺎل ﺣﻮل اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ‬

‫وما كادت الراية توشك على السقوط من يمين زيد بن حارثة‪ ،‬حتى تلقاھا جعفر باليمين ومضى يقاتل بھا‬

‫في اقدام خارق‪ ..‬اقدام رجل لا يبحث عن النصر‪ ،‬بل عن الشھادة‪...‬‬

‫وتكاثر عليه وحوله مقاتلي الروم‪ ،‬و}اى فرسه تعوق حركته فاقتحم عنھا فنزل‪ ..‬وراح يصوب سيفه‬

‫ويسدده الى نحور أعدائه كنقمة القدر‪ ..‬ولمح واحدا من األأعداء يقترب من فرسه ليعلو ظھرھا‪ ،‬فعز‬

‫عليه أن يمتطي صھوتھا ھذا الرجس‪ ،‬فبسط نحوھا سيفه‪ ،‬وعقرھا‪!!..‬‬

‫وانطلق وسط الصفوف المتكالبة عليه يدمدم كالاعثار‪ ،‬وصوته يتعالى بھذا الزجر المتوھج‪:‬‬

‫طيّبة‪ ،‬وبارد شرابھا‬  ‫يا حبّذا الجنة واقترابھا‬
‫كافرة بعيدة أنسابھا‬  ‫والروم روم‪ ،‬قد دنا عذابھا‬

     ‫عل ّي اذا لاقيتھا ضرابھا‬
‫وأدرك مقاتلو الروم مقدرة ھذا الرجل الذي يقاتل‪ ،‬وكانه جيش لجب‪..‬‬

‫وأحاطوا به في اصرار مجنون على قتله‪ ..‬وحوصر بھم حصارا لا منفذ فيه لنجاة‪..‬‬

‫وض ربوا بالس يوف يمين ه‪ ،‬وقب ل أن تس قط الراي ة منھ ا عل ى الأرض تلقاھ ا بش ماله‪ ..‬وض ربوھا ھ ي‬

                     ‫الأخرى‪ ،‬فاحتضن الراية بعضديه‪..‬‬
‫في ھذه اللحظة تر ّك زت ك ل مس ؤوليته ف ي ألا ي دع راي ة رس ول ﷲ ص لى ﷲ علي ه وس لم تلام س الت راب‬

                                                                                         ‫وھو ح ّي‪..‬‬
‫وحين ت ّكومت جثته الطاھرة‪ ،‬كانت سارية الراية مغروسة بين عضدي جثمانه‪ ،‬ونادت خفقاتھا عبدﷲ بن‬

‫رواحة فشق الصفوف كالسھم نحوھا‪ ،‬واخذھا في قوة‪ ،‬ومضى بھا الى مصير عظيم‪!!..‬‬

‫**‬

                                    ‫وھكذا صنع جعفر لنفسه موتة من أعظم موتات البشر‪!!..‬‬
                                  ‫وھكذا لقي الكبير المتعال‪ ،‬مض ّمخا بفدائيته‪ ،‬مدثرا ببطولاته‪..‬‬
              ‫وأنبأ العليم الخبير رسوله بمصير المعركة‪ ،‬وبمصير جعفر‪ ،‬فاستودعه ﷲ‪ ،‬وبكى‪..‬‬
                  ‫وقام الى بيت ابن ع ّمه‪ ،‬ودعا بأطفاله وبنيه‪ ،‬فش ّممھم‪ ،‬وقبّلھم‪ ،‬وذرفت عيناه‪..‬‬
‫ثم عاد الى مجلسه‪ ،‬وأصحابه حافون به‪ .‬ووقف شاعرالاسلام ح ّسان بن ثابت يرثي جعفر ورفاقه‪:‬‬

                                                               ‫غداة مضوا بالمؤمنين يقودھم‬
                                      ‫الى الموت ميمون النقيبة أزھر‬

                                                                ‫أغ ّر كضوء البدر من آل ھاشم‬
                                         ‫أب ّي اذا سيم الظلامة مجسر‬

                                                                 ‫فطاعن حتى مال غير موسد‬
                                             ‫لمعترك فيه القنا يتك ّسر‬

                                                                 ‫فصار مع المستشھدين ثوابه‬
                                        ‫جنان‪ ،‬ومتلف الحدائق أخضر‬

                                                                ‫وكنّا نرى في جعفر من محمد‬
                                         ‫وفاء وأمرا حازما حين يأمر‬

                                                              ‫فما زال في الاسلام من آل ھاشم‬

‫‪134‬‬
   129   130   131   132   133   134   135   136   137   138   139