Page 131 - رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
P. 131

‫‪ www.islamicbulletin.com‬رﺟﺎل ﺣﻮل اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ‬

                                               ‫**‬

        ‫وفي وقار مھيب‪ ،‬وتواضع جليل‪ ،‬جلس النجاشي على كرسيه العالي‪ ،‬تح ّف به الأساقفة ورجال‬
  ‫الحاشية‪ ،‬وجلس أمامه في البھو الفسيح‪ ،‬المسلمون المھاجرون‪ ،‬تغشاھم سكينة ﷲ‪ ،‬وتظلھم رحمته‪..‬‬
 ‫ووقف مبعوثا قريش يكرران الاتھام الذي سبق أن ر ّدداه أمام النجاشي حين أذن لھم بمقابلة خاصة قبل‬

                                                                        ‫ھذ الاجتماع الحاشد الكبير‪:‬‬
     ‫" أيھا الملك‪ ..‬انه قد ضوى لك الى بلدك غلمان سفھاء‪ ،‬فارقوا دين قومھم ولم يدخلوا في دينك‪ ،‬بل‬
   ‫جاؤوا بدين ابتدعوه‪ ،‬لا نعرفه نحن ولا أنت‪ ،‬وقد بعثنا اليك فيھم أشراف قومھم من آبائھم‪ ،‬أعمامھم‪،‬‬

                                                                      ‫وعشائرھم‪ ،‬لتر ّدھم اليھم"‪...‬‬
                                          ‫وولّى النجاشي وجھه شطر المسلمين‪ ،‬ملقيا عليھم سؤاله‪:‬‬
                                  ‫" ما ھذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم‪ ،‬واستغنيتم به عن ديننا"‪..‬؟؟‬
‫ونھض جعفر قائما‪ ..‬ليؤدي المھمة التي كان المسلمون المھاجرون قد اختاروه لھا ابّان تشاورھم‪ ،‬وقبل‬

                                                                         ‫مجيئھم الى ھذا الاجتماع‪..‬‬

              ‫نھض جعفر في تؤدة وجلال‪ ،‬وألقى نظرات محبّة على الملك الذي أحسن جوارھم وقال‪:‬‬
                                                                                   ‫" يا أيھا الملك‪..‬‬

   ‫كنا قوما أھل جاھلية‪ :‬نعبد الأصنام‪ ،‬ونأكل الميتة‪ ،‬ونأتي الفواحش‪ ،‬ونقطع الأرحام‪ ،‬ونسيء الجوار‪،‬‬
‫ويأكل القوي منا الضعيف‪ ،‬حتى بعث ﷲ الينا رسولا منا‪ ،‬نعرف نسبه وصدقه‪ ،‬وأمانته‪ ،‬وعفافه‪ ،‬فدعانا‬

                         ‫الى ﷲ لنو ّحده ونعبده‪ ،‬ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان‪..‬‬
      ‫وأمرنا بصدق الحديث‪ ،‬وأداء الأمانة‪ ،‬وصلة الرحم‪ ،‬وحسن الجوار‪ ،‬والك ّف عن المحارم والدماء‪..‬‬
‫ونھانا عن الفواحش‪ ،‬وقول الزور‪ ،‬وأكل مال اليتيم‪ ،‬وقذف المحصنات‪ ..‬فص ّدقناه وآمنّا به‪ ،‬واتبعناه على‬
   ‫ما جاءه من ربه‪ ،‬فعبدنا ﷲ وحده ولم نشرك به شيئا‪ ،‬وح ّرمنا ما ح ّرم علينا‪ ،‬وأحللنا ما أح ّل لنا‪ ،‬فغدا‬
      ‫علينا قومنا‪ ،‬فعذبونا وفتنونا عن ديننا‪ ،‬لير ّدونا الى عبادة الأوثان‪ ،‬والى ما كنّا عليه من الخبائث‪..‬‬
   ‫فلما قھرونا‪ ،‬وظلمونا‪ ،‬وضيّقوا علينا‪ ،‬وحالوا بيننا وبين ديننا‪ ،‬خرجنا الى بلادك ورغبنا في جوارك‪،‬‬

                                                                         ‫ورجونا ألا نظلم عندك"‪...‬‬

                                               ‫**‬

   ‫ألقى جعفر بھذه الكلمات المسفرة كضوء الفجر‪ ،‬فملأت نفس النجاشي احساسا وروعة‪ ،‬والتفت الى‬
                                                                                     ‫جعفر وساله‪:‬‬

                                                        ‫" ھل معك مما أنزل على رسولكم شيء"‪..‬؟‬
                                                                                   ‫قال جعفر‪ :‬نعم‪..‬‬

                                                                         ‫قال النجاشي‪ :‬فاقرأه علي‪..‬‬
   ‫ومضى حعفر يتلو لآيات من سورة مريم‪ ،‬في أداء عذب‪ ،‬وخشوع فبكى النجاشي‪ ،‬وبكى معه أساقفته‬

                                                                                           ‫جميعا‪..‬‬
                                 ‫ولما كفكف دموعه الھاطلة الغزيرة‪ ،‬التفت الى مبعوثي قريش‪ ،‬وقال‪:‬‬

                                                               ‫‪131‬‬
   126   127   128   129   130   131   132   133   134   135   136