Page 264 - رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
P. 264

‫‪ www.islamicbulletin.com‬رﺟﺎل ﺣﻮل اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ‬

   ‫لم يكد عبدالرحمن يصرخ في وجه مروان بھذه الكلمات القوارع‪ ،‬حتى أيّده فريق من المسلمين على‬
                                      ‫رأسھم الحسين بن علي‪ ،‬وعبدﷲ بن الزبير‪ ،‬وعبدﷲ بن عمر‪..‬‬

 ‫ولقد طرأت فيما بعد ظروف قاھرة اضطرت الحسين وابن الزبير وابن عمر رضي ﷲ عنھم الى الصمت‬
                                                ‫تجاه ھذه البيعة التي قرر معاوية أن يأخذھا بالسيف‪..‬‬

 ‫لكن عبدالرحمن بن أبي بكر ظل يجھر ببطلان ھذه البيعة‪ ،‬وبعث اليه معاوية من يحمل مائة ألف درھم‪،‬‬
                                    ‫يريد أن يتألفه بھا‪ ،‬فألقاھا ابن الص ّديق بعيدا وقال لرسول معاوية‪:‬‬
                                           ‫" ارجع اليه وقل له‪ :‬ان عبدالرحمن لا يبيع دينه بدنياه"‪..‬‬

                  ‫ولما علم بعد ذلك أن معاوية يش ّد رحاله قادما الى المدينة غادرھا من فوره الى مكة‪..‬‬
                                                  ‫وأراد ﷲ أن يكفيه فتنة ھذا الموقف وسوء عقباه‪..‬‬

‫فلم يكد يبلغ مشارف مكة ويستقر بھا حتى فاضت الى ﷲ روحه‪ ،،‬وحمله الرجال على الأعناق الى أعالي‬
                                        ‫مكة حيث دفن ھناك‪ ،‬تحت ثرى الأرض التي شھدت جاھليته‪..‬‬
                                                                                ‫وشھدت اسلامه‪!!..‬‬
                                                              ‫وكان اسلام رجل صادق‪ ،‬ح ّر شجاع‪...‬‬

                                    ‫عبدﷲ بن عمرو بن العاص‬
                                          ‫القانت الأ ّواب‬

       ‫القانت‪ ،‬التائب‪ ،‬العابد‪ ،‬الأواب‪ ،‬الذي نستھا الحديث عنه الآن ھو‪ :‬عبدﷲ بن عمرو بن العاص‪..‬‬
  ‫بقجر ما كان أبوه أستاذا في الدكاء والدھاء وسعة الحيلة‪ ..‬كان ھو أستاذا ذا مكانة عالية بين العابدين‬

                                                                             ‫الزاھدين‪ ،‬الواضحين‪..‬‬
                                                           ‫لقد أعطى العبادة وقته كله‪ ،‬وحياته ملھا‪..‬‬
                                   ‫وثمل بحلاوة الايمان‪ ،‬فلم يعد الليل والنھار يتسعان لتعبّده ونسكه‪..‬‬

                                               ‫**‬

     ‫ولقد سبق أباه الى الاسلام‪ ،‬ومنذ وضع يمينه في يمين الرسول صلى ﷲ عليه وسلم مبايعا‪ ،‬وقلبه‬
                                                       ‫مضاء كالصبح النضير بنور ﷲ ونور طاعته‪..‬‬

    ‫عكف أولا على القرآن الذي كان يتنزل من ّجما‪ ،‬فكان كلما نزلت منه آيات حفظھا وفھمھا‪ ،‬حتى اذا ت ّم‬
                                                                       ‫واكتمل‪ ،‬كان لجميعه حافظا‪..‬‬

                             ‫ولم يكن يحفظه ليكون مج ّرد ذاكرة قوية‪ ،‬تض ّم بين دفتيھا كتابا محفوظا‪..‬‬
  ‫بل كان يحفظه ليعمر به قلبه‪ ،‬وليكون بعد ھذا عبده المطيع‪ ،‬يح ّل ما أح ّل‪ ،‬ويح ّرم ما يح ّرم‪ ،‬ويتجيب له‬
 ‫في كل ما يدعو اليه ثم يعكف على قراءته‪ ،‬وتدبّره وترتيله‪ ،‬متأنقا في روضاته اليانعات‪ ،‬محبور النفس‬

                                 ‫بما تفيئه آياته الكريمة من غبطة‪ ،‬باكي العين بما تثيره من خشية‪!!..‬‬
                                                                       ‫كان عبدﷲ قد خلق ليكون قد‬

          ‫ق ّديسا عابدا‪ ،‬ولا شيء في الدنيا كان قادرا على أن يشغله عن ھذا الذي خلق له‪ ،‬وھدي اليه‪..‬‬

                                                               ‫‪264‬‬
   259   260   261   262   263   264   265   266   267   268   269