Page 263 - رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
P. 263
www.islamicbulletin.comرﺟﺎل ﺣﻮل اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ
ولم يغره اسلام أبيه باتباعه.
وھكذا بقي واقفا مكانه ،حاملا مسؤولية اقتناعه وعقيدته ،يذود عن آلھة قريش ،ويقاتل تحت لوائھا
قتال المؤمنين المستميتين..
والأقوياء الأصلاء من ھذا الطراز ،لا يخفى عليھم الحق وان طال المدى..
فأصالة جوھرھم ،ونور وضوحھم ،يھديانھم الى الصواب آخر الأمر ،ويجمعانھم على الھدى والخير.
ولقد دقت ساعة الأقدار يوما ،معلنة ميلادا جديدا لعبدالرحمن بن أبي بكر الص ّديق..
لقد أضاءت مصابيح الھدى نفسه فكنست منھا كل ما ورثته الجاھلية من ظلام وزيف .ورأى ﷲ الواحد
الأحد في كل ما حوله من كائنات وأشياء ،وغرست ھداية ﷲ ظلھا في نفسه وروعه ،فاذا ھو من
المسلمين!..
ومن فوره نھض مسافرا الى رسول ﷲ ،أ ّوأبا الى دينه الحق.
وتألق وجه أبي بكر تحت ضوء الغبطة وھو يبصر ولده يبايع رسول ﷲ.
لقد كان في كفره رجلا ..وھا ھو ذا يسلم اليوم اسلام الرجال .فلا طمع يدفعه ،ولا خوف يسوقه .وانما ھو
اقتناع رشيج سديد أفاءته عليه ھداية ﷲ وتوفيقه.
وانطلق عبدالرحمن يع ّوض ما فاته ببذل أقصى الجھد في سبيل ﷲ ،ورسوله والمؤمنين...
**
في أيام الرسول عليه صلاة ﷲ وسلامه ،وفي أيام خلفائه من بعده ،لم يتخلف عبدالرحمن عن غزو،
ولم يقعد عن جھاد مشروع..
ولقد كان له يوم اليمامة بلاء عظيم ،وكان لثياته واستبساله دور كبير في كسب المعركة من جيش
مسيلمة والمرتدين ..بل انه ھو الذي أجھز على حياة محكم بن الطفيل ،والذي كان العقل المدبر لمسيلمة،
كما كان يحمي بقوته أھم مواطن الحصن الذي تح ّصن جيش الر ّدة بداخله ،فلما سقط محكم بضربة من
عبدالرحمن ،وتشتت الذين حوله ،انفتح في الحصن مدخل واسع كبير تدفقت منه مقاتلة المسلمين..
وازدادت خصال عبدالرحمن في ظل الاسلام مضاء وصقلا..
فولاؤه لاقتناعه ،وتصميمه المطلق على اتباع ما يراه صوابا وحقا ،ورفضه المداجاة والمداھنة...
كل ھذا الخلق ظل جوھر شخصيته وجوھر حياته ،لم يتخل عنه قط تحت اغراء رغبة ،أو تأثير رھبة،
حتى في ذلك اليوم الرھيب ،يوم قرر معاوية أن يأخذ البيعة ليزيد بحد الشيف ..فكتب الى مروان عامله
بالمدينة كتاب البيعة ،وأمره ان يقرأه على المسلمين في المسجد..
وفعل مروان ،ولم يكد يفرغ من قراءته حتى نھض عبدالرحمن بن أبي بكر ليحول الوجوم الذي ساد
المسجد الى احتجاج مسموع ومقاومة صادعة فقال:
" وﷲ ما الاخيار أردتم لأمة محمد ،ولكنكم تريدون أن تجعلوھا ھرقلية ..كلما مات ھرقل قام ھرقل"!!..
لقد رأى عبدالرحمن ساعتئذ كل الأخطار التي تنتظر الاسلام لو أنجز معاوية أمره ھذا ،وح ّول الحكم في
الاسلام من شورى تختار بھا الأمة حاكمھا ،الى قيصرية أو كسروية تفرض على الأمة بحكم الميلاد
والمصادفة قيصرا وراء قيصر!!..
**
263