Page 93 - رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم
P. 93
www.islamicbulletin.comرﺟﺎل ﺣﻮل اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ
" يغفر ﷲ لكم ،وھو أرحم الراحمين"..
ثم انطلق بسيفه صوب المعركة المشبوبة يبلي فيھا بلاءه ،ويؤدي واجبه..
وتنتھي المعركة ،ويبلغ الخبر رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم فيأمر بالدية عن والد حذيفة "حسيل بن
جابر" رضي ﷲ عنه ،ويتص ّدق بھا على المسلمين ،فيزداد الرسول حبا له وتقديرا...
**
وايمان حذيفة وولاؤه ،لا يعترفان
بالعجز ،ولا بالضعف..بل ولا بالمستحيل....
في غزوة الحندق..وبعد أن د ّب الفشل في صفوف كفار قريش وحلفائھم من اليھود ،أراد رسول ﷲ عليه
الصلاة والسلام أن يقف على آخر تط ّورات الموقف ھناك في معسكر أعدائه.
كان اليل مظلما ورھيبا ..وكانت العواصف تزأر وتصطخب ،كأنما تريد أن تقتلع جبال الصحراء
الراسيات من مكانھا ..وكان الموقف كله بما فيه من حصار وعناد واصرار يبعث على الخوف والجزع،
وكان الجوع المضني قد بلغ مبلغا وعرا بين اصحاب الرسول صلى ﷲ عليه وسلم..
فمن يملك آنئذ القوة،وأي قوة ليذھب وسط مخاطر حالكة الى معسكر الأعداء ويقتحمه ،أو يتسلل داخله
ثم يبلوا أمرھم ويعرف أخبارھم..؟؟
ان الرسول ھو الذي سيختار من أصحابه من يقوم بھذه المھمة البالغة العسر..
ترى من يكون البطل..؟
انه ھو..حذيفة بن اليمان!..
دعاه الرسول صلى ﷲ عليه وسلم فلبى ،ومن صدقه العظيم يخبرنا وھو يروي النبأ أنه لم يكن يملك الا
أن يلبي ..مشيرا بھذا الى أنه كان يرھب المھمة الموكولة اليه ،ويخشى عواقبھا ،والقيام بھا تحت وطأة
الجوع ،والصقيع ،والاعياء الجديد الذي خلفھم فيه حصار المشركين شھرا أو يزيد!..
وكان أمر حذيفة تلك الليلة عجيبا...
فاقد قطع المسافة بين المعسكرين ،واخترق الحصار ..وتسلل الى معسكر قريش ،وكانت الريح العاتية قد
أطفأت نيران المعسكر ،فخيّم عليه الظلام،واتخذ حذيفة رضي ﷲ عنه مكانه وسط صفوف المحاربين...
وخشي أبوسفيان قائد قؤيش ،أن يفجأھم الظلام بمتسللين من المسلمين ،فقام يحذر جيشه ،وسمعه
حذيفة يقول بصوته المرتفع:
" يا معشر قريش ،لينظر كل منكم جليسه ،وليأخذ بيده ،وليعرف اسمه".
يقول حذيفة"
" فسارعت الى يد الرجل الذي بجواري ،وقلت لھمن أنت..؟ قال :فلان بن فلان؟"...
وھكذا أ ّمن وجوده بين الجيش في سلام!..
واستأنف أبو سفيان نداءه الى الجيش قائلا ":يا معشر قريش ..انكم وﷲ ما أصبحتم بدار مقام ..لقد
ھلكت الكراع _ أي الخيل_ والخف_ أي الابل_ ،وأخلفتنابنو قريظة ،وبلغنا عنھم الذي نكره ،ولقينا من
ش ّدة الريح ،ما تطمئن لنا قدر ،ولا تقوم لنا نار ،ولا يستمسك لنا بناء ،فارتحلوا فاني مرتحل"..
ثم نھض فوق جمله ،وبدأ المسير فتبعه المحاربون..
93