Page 108 - merit 39 feb 2022
P. 108

‫العـدد ‪38‬‬   ‫‪106‬‬

                                                   ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬

      ‫الكاتبة نحو إبراز مأساوية المصير الإنساني‬       ‫ستر الإناث وتلقينهن طقوس الخضوع والطاعة‬
  ‫ونهايته المحتومة التي توحد مصير الأجيال الذي‬     ‫للزوج‪ ،‬فتمرر للابنة مشاعر التبعية التي تدخلها في‬
 ‫سيؤول يو ًما ما إلى الوحدة رغ ًما عنهم‪ ،‬خصو ًصا‬    ‫دوامة القهر الاجتماعي وتشعرها بالعزلة القسرية‬
                                                   ‫التي تحاول التغلب عليها من خلال فتح نوافذ بيت‬
     ‫مع تزايد هوة الانفصال بين الشباب وآبائهم‪.‬‬
 ‫لذلك تؤكد المرأة العجوز في «مكعبات السكر» عبر‬                           ‫الزوجية المحبوسة بداخله‪:‬‬
                                                   ‫«أحب أن أفتح الشبابيك على مصراعيها‪ ،‬وسماع‬
    ‫حوارها مع الشاب العشريني أن «الوحدة» هي‬        ‫صوت أطفال الجيران الذين يلعبون في الحديقة‬
  ‫مصيرهما المشترك؛ حيث ستلازمه مستقب ًل بعد‬
 ‫أن ينفض من حوله الأهل والأصدقاء مثلما تركها‬          ‫التي تقع أسفل البيت‪ .‬الصوت الآمر يجعلني‬
‫أبناؤها لتكوين حياتهم الخاصة‪ .‬وهنا تتضح أهمية‬       ‫أبدو مثل هرة تتعلق بثقوب الأرابيسك لتبصر‬

    ‫علاقة الامتداد والتواصل والحوار بين الأجيال‬           ‫الشارع‪ ،‬ثم تسقط على الأرض‪ .‬هل مضى‬
‫ودورها في الحفاظ على استمرارية الأسرة وضمان‬              ‫عشرون عا ًما على تمثيل دور القطة‪ ،‬وعلى‬
                                                       ‫وجودي هنا في بيت الثقوب هذا؟! هل مضى‬
      ‫استقرارها‪ ،‬وبالتالي تحقيق استقرار المجتمع‬       ‫عشرون عا ًما على تلك الليلة حين علا صراخ‬
     ‫وسلامته‪ ،‬فالتغييرات السريعة التي حدثت في‬          ‫أمي لأنني قلت لها‪ :‬لا أريد أن أسكن في بيت‬
   ‫الآونة الأخيرة في المجتمع قابلها تغييرات عديدة‬  ‫رجل يرتدي ز ًّيا لونه زيتي ويضع مسد ًسا على‬
    ‫في بنية الأسرة‪ ،‬حيث أدى التطور التكنولوجي‬
     ‫ومسيرة الحداثة إلى زعزعة بعض القيم داخل‬               ‫خصره يسبب لي الرعب»‪( .‬ص‪)39 ،38‬‬
                                                         ‫بينما تختبر «حياة» ‪-‬في «خمسة وجوه لعالم‬
                 ‫الأسرة والانفصال بين أجيالها‪:‬‬        ‫حياة»‪ -‬أقسى مشاعر الاغتراب النفسي كاليأس‬
                                    ‫«كم سنك»‬             ‫والاكتئبات والملل والتغيرات المزاجية وفقدان‬
                                                     ‫الشهية وضعف البنية وغيرها من أعراض نفسية‬
                           ‫«خمس وعشرون»‪.‬‬             ‫وجسدية تنتج عن اضطرار المرأة‪ /‬حياة لمواصلة‬
  ‫«لابد أن حياتك مزدحمة بأصدقاء كثر‪ ،‬أليس‬                ‫حياتها اليومية وممارسة أدوارها الاجتماعية‬
                                                      ‫المطلوبة منها ‪-‬كأم وزوجة وصديقة‪ -‬والتظاهر‬
                                      ‫كذلك؟»‪.‬‬            ‫بأن «كل شيء على ما يرام»‪ ،‬رغم إحساسها‬
                            ‫«بلى‪ ،‬كيف عرفت»‪.‬‬           ‫المستمر بوطأة العيش وثقله على روحها‪ .‬وهنا‪،‬‬
                                                         ‫تشير الكاتبة عبر يوميات «حياة»‪ ،‬المسرودة‬
                                ‫«هكذا خمنت»‪.‬‬        ‫بضمير الغياب والمتسلسلة في شكل أرقام مجردة‪،‬‬
 ‫«ولابد أن حبيبتك تنتظر أن تتقدم لخطبتها في‬        ‫إلى خطورة اعتياد المرأة على الألم النفسي وعزوفها‬
 ‫أقرب وقت‪ ،‬وأنكما تمشيان على الكورنيش مرة‬                 ‫عن طلب العون حتى من القريبين منها رغم‬

   ‫في الأسبوع‪ ،‬وتحلمان بإنجاب الأطفال‪ ..‬هذه‬                              ‫احتياجها المل ّح إلى الاهتمام‪:‬‬
  ‫الصورة تبدو واضحة في عينيك‪ ،‬لكن صدقني‬             ‫«ما السعادة؟ هل من المهم أن تعثر على الإجابة‬
                                                     ‫الآن؟ وضعت الدفتر الأخضر جان ًبا‪ ،‬فكرت أن‬
       ‫بعد كل هذا ستكون وحيد‪ ،‬كما أنا الآن»‪.‬‬
                                 ‫(ص‪)30 -29‬‬            ‫هذا كله غير متاح‪ ،‬وعليها أن تنهض‪ ،‬ينبغي‬
                                                    ‫أن تنهض سري ًعا‪ ،‬وأن تواصل العيش المطلوب‬
   ‫ومثلما سلطت الكاتبة الضوء على قضية الزواج‬
‫القسري وأثره في ازدياد مظاهر العزلة الاجتماعية‪،‬‬        ‫منها‪ ،‬الدور الذي ينتظره الجميع‪ .‬في المطبخ‬
 ‫نجدها تلفت الأنظار نحو قضية أخرى مهمة وهي‬              ‫أكلت تفاحة‪ ،‬قضمتها بصعوبة‪ ،‬ثم اتصلت‬
                                                     ‫عبر الهاتف لتطلب قال ًبا للحلوى يكفي خمسة‬
   ‫قضية «الأم العزباء»؛ أي الأم التي تربي أطفالها‬
  ‫دون وجود زوج معها‪ ،‬وما تتعرض له تلك المرأة‬                                  ‫أشخاص»‪( .‬ص‪)44‬‬
                                                       ‫ومن مظاهر العزلة الاجتماعية بالمجموعة توجه‬
      ‫من عنف داخل المجتمعات العربية باعتبار ما‬
  ‫ارتكبته ‪-‬سواء كان زوا ًجا غير رسمي أو علاقة‬
   ‫غير شرعية‪ -‬أم ًرا مرفو ًضا ومنهي عنه تتحمل‬
 ‫وحدها عواقبه‪ .‬فتفتح الكاتبة الحوار حول حقوق‬

    ‫«الأم العزباء» ومصير أطفالها في قصة «البحر‬
   103   104   105   106   107   108   109   110   111   112   113