Page 104 - merit 39 feb 2022
P. 104
العـدد 38 102
فبراير ٢٠٢2
«هدير القطارات يزحف داخل رأسها ،جرس الكنيسة نتيجة حبها المخلص ،الفراق بدي ًل للقرب والوصال
يرن فينبهها أن البرد سينتهي حت ًما ذات يوم ..أنين «كلاهما يعرف أن الآخر موجود في مكان ما من هذا
العالم ،كلاهما يدرك الآخر ،وكلاهما يستمر في تجاهل
خافت ،تتنهد ما زالت إذن ..في شارع مجهول لا
يعرفها فيه أحد ،يتسلل أزيز إلي جسدها ،أزيز تتداخل الرغبة بتحويل هذا الإدراك إلى واقع ،الخوف من
الواقع ،من مواجهة الحقيقة ،يجعل كل منهما ،ثابتًا في
فيه الأصوات المنهكة ،يلامس الأعصاب العارية،
فيتحول إلى طنين يذكرها بوحدتها ،كل الوجوه غريبة مكانه» (ص.)71
تربط الذات الكاتبة العلاقة التي بين الحبيبين بالحرب
هنا» (ص.)77
إن سحر في كل مرة ترى حبيبها يتعامل مع وجودها التي شهدها المكان ،تلك التي كانت شاه ًدا على ما
بالغياب ،يبحث دائ ًما عن تحقق وجودها الغائب ،عن اتسمت به العلاقات بين الناس ،الحرب والحب ثنائية
العتمة التي يرى من خلالها الوجود ثم لا يراها ،عن ثقيلة الائتلاف ،تصنع الفرقة بين المحبين ،وكما تبيح
الضباب المحيط الذي لا يترك مساحة لرؤية الفضاء كل أساليب القتال ،والمراوغة ،والتفاوض ،والخديعة،
المحيط ،حضورها حضور غائم مشبع بالضباب ،فماذا
فقد وسمت العلاقات بين الأحبة في زمنها بهذا
يفعل كي يتحقق من وجودها ،إنه يهتدي لسياسة السمت ،صارت هذه الأساليب متواترة بين المحبين
الإيلام لأن «فعل الإيلام وحده سينقل وجودها «لقد بدأت قصتهما مع الحرب ،لهما بداية مشتركة،
بدأت كوقع القنابل ،بدأت كما تبدأ الحرب ،واستمرت
في عالمه من خانة الحضور الغائم المشبع بالضباب
والغموض إلى خانة الوجع ،على أحدهما أن يجرح كما تستمر الحرب تما ًما ،طالما أن أحد الطرفين
الآخر ليتأكد من حقيقته» (ص ،)79إن ما يشغل يواصل فعل الكتابة» (ص)71؛ لكنها تعي جي ًدا ما
حبيب سحر هذه المفارقة الغريبة ،وإن كانت مقصودة يفعله الحبيب من مراوغة وتهرب من المسؤولية ،فهو
بين عملية التشكيك الدائم في وجودها ،وبين البحث الذي يتشرنق حول نفسه ،ويبتعد دون أن يعي دوره
الدائم عن تشكلات الحضور «لماذا لا يسحب منها في الوصل ،وتقريب البعيد «يتوارى وينسج شرنقة
طرف الخيط ويتحكم وحده باللعبة منهيًا بذلك كل حول نفسه ارتفعت حتى طوقتهن وغدا وعيه عاج ًزا
تساؤلاته حول وجودها ككل في عالمه» (ص .)79طول عن التملص منها» (ص)71؛ لكن الكاتبة /الراوية ترى
الوقت يحاول أن يصنع لنفسه الأساليب والوسائل أن زمن ما قبل الحرب يختلف عن زمن ما بعدها «كما
التي تمكنه من التخلص منها ،على الرغم من حضورها لم يعد زمن ما قبل السير على الخط ،يتشابه مع السير
الدائم بجميع تفاصيلها في تفاصيله اليومية «لم يتعلم نفسه الآن ،ليس أمامهما سوى الانتظار ،انتظار نهاية
بعد وسيلة تخلص ذاكرته من تفاصيلها المتناثرة،
رائحة القهوة المرة التي تحبها ،قفازين من الدانتيل الخط أو تقاطعه» (ص.)72
يتذكرهما كلما لاح له لون أسود ،دمية يابانية صغيرة سحر المحبوبة حينما ُدفنت البئر التي كانت تجلس
من الخشب ،تزين مكتبته أهدتها له يوم ميلاده وقالت في الحديقة قبالتها «صارت ..تأتي لتقعد على المقعد
الخشبي المواجه للبئر المدفونة ،يغمرها إحساس أن
إنها تحتفظ بدمية مشابهة» (ص.)80 هناك ما دفن في داخلها أي ًضا ،صار منسيًّا ومهم ًل
هي علاقة من نوع خاص ،هي لا تبحث عن حقيقته مثل البئر التي اكتشفتها يو ًما» (ص .)73لقد قدمت
التقليدية من خلال طرق تقليدية ،لأنك ستصل إلى
طريق لا يصدق ،ولا يمكن أن يقنن بالطريقة التقليدية الكاتبة عبارة مهمة عن هذه العلاقة «كان مول ًعا
بالانتظار ،وكانت مخلصة للغياب» (ص .)77وكأن
التي تمنح الأشياء مسمياتها ،إنها التفاصيل التى كلاهما مع تقادم الزمن ،وتباعد المكان ،ارتضي ما
حكمت هذه العلاقة المغايرة فهي «لم تكن زوجته ،ولا وصلت إليه هذه العلاقة المشتركة ،ما زالت الوحدة
حبيبته ،ولا عشيقته ،كانت المرأة القادرة علي إيلامه تطارد سحر بما تواجه في هذه البلاد الباردة من
بلا رحمة ،بينما هو مشغول بتفاصيلها الصغيرة» غياب للروح التي تؤنس ،والقلب الذي يتسع للخلاف،
(ص ،)80نعم وهو كذلك لا يعرفها جي ًدا إلا بالألم، والجسد الذي يستطيع أن يجعل مشاعره مادة مهمة
ولا يتأكد من حضورها إلا بالوجع ،وكلما توغل في
لصهر البرودة ،وبعثرة الضباب ،وحلب السحاب