Page 99 - merit 39 feb 2022
P. 99

‫نون النسوة ‪9 7‬‬                                             ‫تعب أو مشقة وينسي رسالته‪ ،‬وعلى الرغم من كل‬
                                                        ‫هذا التعب لا يحفظ لهذا الجسد حقه في الوفاء كزوجة‬
   ‫في قصة مكعبات السكر نجد هذه المرأة التي تعيش‬
    ‫وحدة قاتلة بعد استقلال بنيها بحياتهم وسفرهم‬             ‫تصنع الحياة؛ بل يخونها دون مبرر‪ ،‬ويأكل مالها‬
‫خارج البلاد‪ ،‬وتركها وحيدة تلملم جسدها لتبحث عن‬              ‫دون نخوة‪ ،‬فيفسد عليها الحياة التي تحارب لكي‬
  ‫شيء يعيلها‪ ،‬ويؤنس وحدتها القاتلة‪ ،‬ذهبت للتقديم‬        ‫تصنعها‪ .‬انتهت القصة بتعاطف الكاتبة معها‪ ،‬وتعاطف‬
   ‫لإجراءات الوظيفة‪ ،‬ولما خاطبها الشاب الذي يتلقى‬           ‫القارئ أي ًضا‪ ،‬من خلال عرض لتلخيص مأساتها‬
     ‫أوراق التقديم من المتقدمين لإجراء المقابلات‪ ،‬أن‬     ‫فتركت لها الذات الكاتبة باب الشقة مفتو ًحا‪ ،‬فخرجت‬
‫الوظيفة لا تناسبها‪ ،‬قالت له «صدقني أنا بحاجة لهذه‬       ‫منه آمنة تواقة للحرية‪ ،‬وهي تترك منديلها خلفها ببقع‬
  ‫العمل أكثر من أي وقت مضي في حياتي» (ص‪.)28‬‬             ‫دمه الحمراء الذي يلخص مأساة جسد منهك مريض‪.‬‬
   ‫في هذه القصة لم تكن معاناة المرأة دائ ًما من الرجل‬       ‫في قصة (البحر يتجه شما ًل) تبدأ القصة بمأساة‬
 ‫مصدر التسلط الدائم بالنسبة لها في ظنها؛ بل جاءتها‬
    ‫من أبنائها أو ًل حين استق َّل بحياتهما‪ ،‬وكذلك هذه‬         ‫لطفلين كل واحد منهما يحكي للآخر عنها وهي‬
    ‫النظرة الدونية من المرأة التي صادفتها في الشركة‬       ‫تتلخص في فقد الوالدين‪ ،‬الطفلة أخبرته بأنها فقدت‬
‫التي تقدمت للعمل بها‪ ،‬نظرة تتفحص الجسد‪ ،‬وتبحث‬
‫في مكنون عيوبه الظاهرة‪ ،‬ثم تتحول إلى السخرية منه‬               ‫والدها‪ ،‬وهو يحكي لها أنه فقد والدته‪ ،‬وإكما ًل‬
 ‫«نظرت إليها المرأة الحامل بلا مبالاة‪ ،‬قلبت في نظرتها‬     ‫للمأساة لم تكن معينًا له على تجاوز مأساته فتمسح‬
     ‫تلك هيئتها العامة‪ ،‬تنورتها الرمادية القطنية التي‬     ‫دموعه‪ ،‬ولم يكن هو أي ًضا معينًا لها فيطلب منها أن‬
   ‫تتناسب مع لون شعرها الرمادي‪ ،‬والمنكوش قلي ًل‪،‬‬         ‫تتوقف عن البكاء‪ ،‬فظ َّل ينتظران أن تنجلي مأساتهما‬
    ‫قميصها الأبيض يبدو أنه غير معتن بكيه بطريقة‬
   ‫جيدة‪ ،‬ثم حذائها الباهت والقديم» (ص‪ .)28‬هي لم‬                ‫«ظلا في مكانهما صامتين يرنوان نحو البعيد‪،‬‬
    ‫تهتم بهذه النظرة المتفحصة من هذه المرأة الحامل‬        ‫وينتظران مضي العاصفة» (ص‪ .)21‬على الرغم من‬
    ‫التي خرجت من مكتب مديرها‪ ،‬ثم عادت إليه بعد‬             ‫حداثة سن الطفلة إلا أنها تتحدث عن معاناة جسد‬
‫استدعائها‪ ،‬على الرغم من أنها نظرة أشعرتها بالدونية‬
  ‫الظالمة‪ ،‬وأنها كائن غير مرغوب فيه‪ ،‬ومع ذلك قابلت‬          ‫جريح علاجه البوح لمن يسمعه ويحنو عليه «كلنا‬
 ‫نظرتها بابتسامة كرد فعل رقيق مقابل فعل ممقوت‪،‬‬            ‫بحاجة إلى البوح لتنظيف جراحنا» (ص‪ .)21‬والطفل‬
 ‫وكأنها قد اعتادت على ذلك‪ ،‬أو أن انتظارها لوظيفتها‬         ‫على الرغم من حداثة سنه إلا أنه عاش هذا الخلاف‬

      ‫أهم كثي ًرا من هذا التنمر الذي لا يحل مشاكلها‬        ‫بين أمه وجده الذي هددها بالقتل‪ ،‬وهي تصيح في‬
   ‫الاقتصادية والاجتماعية‪ ،‬هي تتحمل التنمر لتعالج‬          ‫وجهه معلنة عدم الاستجابة لمهانته وقهره‪ ،‬وتطلب‬
‫الوحدة‪ ،‬وتتحمل التسلط من أجل الخروج من أزماتها‪.‬‬
 ‫لم تكن هذه المرة الوحيدة التي نظرت فيها هذه المرأة‬            ‫منه عدم التدخل في حياتها التي دمرها‪ ،‬ولغي‬
   ‫الحامل‪ ،‬لها بل نظرت إليها مرة أخرى بعد دخولها‬         ‫اختياراتها‪ ،‬الجد يفرض ديكتاتورية صارمة‪ ،‬وتسلط‬

      ‫مكتب مديرها وخروجها منه‪ ،‬ممتعضة لمظهرها‬                 ‫غير مبرر على ابنته‪ ،‬وعلى الرجل الذي اختارته‬
   ‫وهيئتها‪ ،‬وكأن التسلط والتنمر لا يكون بين الرجل‬        ‫(رجل البحر)‪ ،‬وأمام هذا التسلط قامت بفعل المواجهة‬
‫والمرأة فقط‪ ،‬بل في أحيان كثيرة تكون المرأة أكثر ظل ًما‬
  ‫لبنت جنسها‪ ،‬غيرة وحق ًدا واستحسا ًنا لذاتها «المرأة‬      ‫«أنت دمرت حياتي‪ ،‬دمرت حياتي» (ص‪ .)24‬كان‬
                                                            ‫يشدها محاو ًل خنقها بيديه‪ ،‬وهي تحاول الهرب‪،‬‬
     ‫الحامل كررت التحديق بها في نظرة أقرب للنفور‬            ‫تحاول أن تهرب منه لتتمكن مرة أخرى‪ ،‬وهذا ما‬
   ‫هذه المرة‪ ،‬لأنها أطالت التوقف بنظراتها عند عروق‬         ‫حدث حين تناولت الفأس الموروثة عن أبيه والمعلقة‬
  ‫قدميها التي تبرز من أعلى الحذاء» (ص‪ .)31‬الجسد‬           ‫للزينة‪ ،‬ضربته «ضربة‪ ،‬ضربتين‪ ،‬ثلا ًثا‪ ،‬دماء تسيل‬
  ‫المادي وجهة للسخرية والتنمر‪ ،‬وجاذب للتسلط من‬            ‫على الأرض‪ ،‬قتلته هي‪ ،‬هكذا حدث القتل» (ص‪.)24‬‬
 ‫جسد مواز وليس مغاي ًرا‪ .‬إن المرأة ذاتها تعاني وحدة‬       ‫من الذي جني ثمار هذه الكارثة الكبرى حين يتعنت‬
                                                         ‫الرجل ويفرض دكتاتوريته وسيطرته‪ ،‬البناء ضحايا‬
                                                             ‫التسلط والقهر‪ ،‬تدخل الأم السجن‪ ،‬ويذهب الابن‬
                                                          ‫لخاله الذي يقوم بمحو ذاكرته السابقة عن أم قاتلة‬

                                                                  ‫وجد قتيل‪ ،‬ليبدأ من جديد في أرض غريبة‪.‬‬
   94   95   96   97   98   99   100   101   102   103   104