Page 97 - merit 39 feb 2022
P. 97

‫نون النسوة ‪9 5‬‬                                       ‫حقها في اختيار نوع التعليم الذي ترغب‪ ،‬أو شخص‬

  ‫قوس قزح‪ ،‬والشوارع القذرة المزدحمة‪ ،‬يتحول فيها‬      ‫الزوج الذي يختاره قلبها وتعيش معه باقي حياتها‪ ،‬أو‬
 ‫الازدحام إلى شيء آخر‪ ،‬كأن الناس تستعد لكرنفال‪،‬‬
‫كل هذا الوصف السحري لامرأة قابلها الراوي صدفة‬        ‫حقها في الميراث وغير ذلك كثير مما تحركه المصالح‬
 ‫في الشارع‪ ،‬لم يكن هذا الوصف مقصو ًرا على سلمي‬
‫وحدها‪ ،‬هذا وصف امرأة أي امرأة‪ ،‬هنا الراوي يجعل‬                       ‫وتحرمه العقائد‪.‬‬
  ‫هذه التفاصيل متشابهة مع لحظة حياتية قابل فيها‬
  ‫هذه الفتاة‪ ،‬الذي وصف رؤيته لها ومقابلته إياها في‬   ‫في مجموعة صندوق كرتوني يشبه الحياة(*) نجد‬

   ‫الشارع المزدحم عبو ًرا في حياته «كان عبور سلمي‬    ‫في القصة الأولى ‪-‬التي تتخذ المجموعة عنوانها‪-‬‬
    ‫في حياتي يشبه هذه التفاصيل» (ص‪ ،)5‬هنا نجد‬
     ‫الخطاب‪ ،‬خطاب جسد وكينونة‪ ،‬خطاب يبوح في‬          ‫(سلمي) الفتاة التي التقي الراوي بها في الشارع‪،‬‬
     ‫لحظة ويتمرد على أوجه القول في لحظات أخرى‪،‬‬
   ‫يستجيب لقلقه ووجعه فيرقص كقزم يرتدي قبعة‬          ‫يقدم لها في حديثه لصديقه خليل صورة تشبيهية‬
    ‫حمراء‪ ،‬ويتمرد على سياقات الوجع والقلق ويثور‬
 ‫كتنين مجنح يطلق النيران من فمه على كل ما يقابله‪،‬‬    ‫غير تقليدية‪ ،‬تجمع العديد من التناقضات التي لا‬
   ‫ثم جعلها تتحاور وتحكي وتتوجع‪ ،‬وتحزن وتقلق‪،‬‬
    ‫وتحلم وتتخيل كجنية تحلق على مستوى بصرك‪.‬‬          ‫يخلو منها من كان في مثل حالها؛ هي فتاة مثيرة‬
 ‫هذا الرجل الذي يلتقي سلمي لأول مرة وقد خلصها‬
 ‫من أيدي الشباب الذين وقفوا لمضايقتها‪ ،‬يصف هذه‬         ‫للتساؤل غالبًا تجمع بين الملائكية والدونية‪ ،‬سلمي‬
   ‫اللحظة وص ًفا خياليًّا لا يرتبط بمواريث سابقة من‬  ‫تمشي في الشارع‪ ،‬ذاك الفضاء الذي يلتقي فيه الناس‬
   ‫بروتوكولات التعارف المعروفة بين الناس «اتسعت‬
  ‫الدائرة وعبرت أنا وهي مثل ملك وأميرة‪ ..‬أي والله»‬   ‫بعضهم بع ًضا دون أن يكون لأحدهم القدرة على‬
    ‫(ص‪ ،)7‬في هذه اللحظة التي كانت شبيهة بالجنية‬      ‫الحكم القيمي على الآخر ممن يقابل من وجوه يألفها‪،‬‬
    ‫التي تحلق في مستوى البصر‪ ،‬كيف يمنح الجسد‬
‫المتمرد هذه الأوصاف لرجل يلتقي امرأة للمرة الأولى‪،‬‬    ‫أو لا يألفها‪ ،‬فاللقاءات غالبًا ما تكون عابرة‪ ،‬سلمي‬
‫فيستجيب للفرح والحزن والوجع والألم‪ ،‬فيصفها هذا‬       ‫تشبه صندوق كرتوني كبير‪ ،‬مملوء بالحكايات‪ ،‬كلها‬
   ‫الوصف الملكي‪ ،‬وهو يعرف أنه خلصها من شباب‬
 ‫حاولوا أن ينالوا من هذا الجسد‪،‬‬                      ‫تدور حول الكينونة والجسد‪ ،‬بين الوجود والغياب‪،‬‬
 ‫جسد الكون بقلقه ووجعه‪ ،‬وألمه‪،‬‬
‫قاموا باعتراض طريقها‪ ،‬فصارت‬                          ‫حكايات الحضور والهوية الضائعة‪ ،‬هذا الصندوق‬
    ‫ضحية من ضحايا الشارع‪/‬‬
  ‫الكون الذي يعج بالتفاصيل‪ ،‬ثم‬                       ‫لم يكن خشبيًّا ولا حديد ًّيا؛ بل هو صندوق كرتوني‪،‬‬
 ‫يأتي المخلص الذي خلص الجسد‬                          ‫أي أن تكوينه من ورق‪ ،‬بما يحمل الورق من دلالة‬
   ‫ممث ًل للضمير والوعي فيلاقي‬
 ‫جس ًدا ه ًشا‪ ،‬قشرة ضعيفة تطير‬                       ‫على الضعف والهشاشة‪ ،‬والمحو‪ ،‬تنطلق من الصندوق‬
   ‫في الهواء‪ ،‬يراوده في بداية هذا‬
 ‫التعارف‪ ،‬هذا التفكير السريع في‬                      ‫أشياء سحرية كناية عن مكنون المشبه (سلمي)‪/‬‬
   ‫الجسد‪ /‬كينونة الجنس‪ ،‬وكأن‬
    ‫المبدأ الأساس الذي يفكر فيه‬                      ‫المرأة‪ ،‬الجسد‪ ،‬هذا الصندوق يفتح من تلقاء نفسه‪،‬‬
  ‫الرجل حين يلتقي جس ًدا أنثو ًّيا‬
                                                     ‫دون أن يتدخل أحد لفتحه‪ ،‬سلمي لا يمكن أن‬

                                                     ‫تستجيب للضغوط‪ ،‬ولا يستطيع أحد أن يأخذ منها‬

                                                     ‫ما لا تريد أن تمنحه له‪ ،‬تنطلق من هذا الصندوق‬

                                                                     ‫أشياء سحرية عجيبة‪ ،‬جعلها‬

                                                                     ‫مظلة تعزف ألحا ًنا ثم تطير في‬
                                                                     ‫السماء‪ ،‬ثم جعلها على ثلاثة‬

                                                                     ‫أشكال‪ ،‬بعد أن جعلها مظلة‪:‬‬

                                                                     ‫جعلها قز ًما يرقص وهو يرتدي‬
                                                                        ‫قبعة حمراء‪ ،‬ثم جعلها تنينًا‬
                                                                     ‫مجنَّ ًحا يطلق النيران من فمه‪ ،‬ثم‬
                                                                      ‫جنية لطيفة تحلق على مستوى‬

                                                                     ‫بصرك‪ ،‬النتيجة أن التغير‬

                                                                     ‫الناتج عن هذا التحول يشمل‬

                                                                     ‫الكون المحيط‪ ،‬يتحول القبح إلى‬

                                                                     ‫جمال واضح يغلف الأشياء‪،‬‬

                                                     ‫لنا عبد الرحمن‬  ‫غبار المدينة يتحول إلى ألوان‬
   92   93   94   95   96   97   98   99   100   101   102