Page 98 - merit 39 feb 2022
P. 98

‫العـدد ‪38‬‬   ‫‪96‬‬

                                                          ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬

    ‫تعمل خادمة في بيته‪ ،‬مغتربة لا حول لها ولا قوة‪،‬‬           ‫ه ًّشا‪ ،‬تلعب به الريح‪ ،‬هو العودة السريعة لطقوسه‬
    ‫تركت أسرتها وبلدها لتجمع قد ًرا من المال يعينها‬          ‫الهمجية‪ ،‬فيعود الخطاب الحلمي الهذياني والعائش‬
     ‫على الحياة‪ ،‬هذا أفقدها ذاتها الأنثوية التي تحمل‬        ‫بعي ًدا عن كل أنساق الرقابة الداخلية والخارجية «لم‬
‫خصوصية مغايرة للرجل على مر الأزمان‪ ،‬كما يجعلها‬
‫هذا الفعل الذكوري المتسلط وغيره مما تعرضت له في‬                ‫أعرض أن نترافق للسرير لأسباب نفسية تتعلق‬
  ‫نهاية القصة تترك البيت وأهله ومن فيه لتبحث عن‬           ‫بطقوسي فيما يتعلق بالجنس‪ ،‬أي أمن المكان ونظافته»‬
   ‫الخلاص‪ .‬آمنة تعيش غربة تحس بها في كل لحظة‬
    ‫من لحظات يومها الطويل المرهق من أعمال البيت‬             ‫(ص‪ ،)9‬أي أنه في هذه اللحظة لو تحققت له شروط‬
‫وتصرفات ساكنيه‪ ،‬لا يخفف منه‪ ،‬ومن جهده المرهق‪،‬‬                   ‫الأمان والنظافة لكان هذا تفكيره الأول مع هذا‬
    ‫غير لقاء الأحد مع زميلاتها الخادمات في الأماكن‬
   ‫المجاورة «لكنها عرفت فيما بعد أن حياتهن في هذا‬          ‫الجسد‪ /‬الضحية‪ ،‬صورة نمطية ربما تظنها كثير من‬
 ‫البلد الغريب تسير بجهد مضن يجعلهن ينتظرن يوم‬              ‫النساء في الرجال الذين تلتقيهم‪ ،‬لكن أن يبوح الرجل‬
‫الأحد بفارغ الصبر كي ينفسن عن رغباتهن المكبوتة»‬           ‫بذلك ويكرره «سأعود لحكايتي مع سلمى وأوضح أن‬
   ‫(ص‪ .)16‬تركت آمنة في طريق غربتها زو ًجا وطف ًل‬            ‫السبب الأول في تفضيلي المشي على الجنس هو عدم‬
  ‫صغي ًرا من خلال عقد عمل يمتد عامين‪ ،‬آمنة جاءت‬           ‫توفر مكان آمن» (ص‪ ،)10‬أي ارتباط هذا الذي يحدث‬
  ‫لتؤدي رسالة نحو أسرتها وذاتها الملتزمة‪ ،‬فلذلك لم‬
 ‫تكن مقتنعة تما ًما بمشاركة رفيقاتها اللهو الذي غاب‬           ‫في بداية هذا التعاطف‪ ،‬ويحمل من طقوس الغرابة‬
  ‫عن ذاتها الصابرة‪ ،‬فعاشت الغربة مخلصة‪ :‬لعملها‪،‬‬             ‫والتوحش ما تفرضه طقوس الحداثة وما بعدها من‬
 ‫ولزوجها‪ ،‬وطفلها الذي تركته عند أمها‪ ،‬وصبرت على‬
  ‫تعبها‪ ،‬وغربتها‪ ،‬ومرضها بالسعال الذي كان يسبب‬                ‫نظرة مغايرة للجسد‪ ،‬هذا ما دفع الكاتبة إلى إبراز‬
  ‫لها حر ًجا شدي ًدا أمام أفراد الأسرة التي كانت تقيم‬      ‫دور الرجل كأداة من أدوات المراقبة والقمع والتسلط‪،‬‬
‫معها‪ ،‬ناهيك عن شكوى (آمنة) و(فرحهالو) من سوء‬               ‫هي نظرة نمطية تختزنها الكاتبة في مواريثها الثقافية‬
  ‫تصرفات السيدات اللائي يعملن لديهن‪ ،‬وغرورهن‪،‬‬              ‫عن الرجل النمط الذي لا يفكر حين يلتقي المرأة إلا في‬
     ‫ولؤمهن‪ ،‬وشرهن المتأصل في معاملة الخادمات‪،‬‬
  ‫بالإضافة للشكوى من الأطفال الشياطين‪ ،‬وتربيتهم‬              ‫هذه النظرة الجسدية والشهوة الميتة‪ ،‬بعد لقاء عابر‬
    ‫الفاسدة‪ .‬آمنة راضية بعملها عند هذه الأسرة على‬             ‫وتجربة قصيرة يلتقي فيها الناس مرا ًرا في أمكنة‬
‫الرغم مما أسلفناه عن معاناتها‪ ،‬لأنها في النهاية أرحم‬         ‫وأزمنة مغايرة «وفي آخر اليوم كان على كل منا أن‬
  ‫كثي ًرا مما كانت تعانيه كامرأة في عملها الذي كان في‬
   ‫بلادها تحت أشعة الشمس في حقول الشاي‪ ،‬وكأن‬              ‫يعود لعالمه‪ ،‬لكنني لم أقو على فراقها قبل أن أتيقن من‬
‫التعب يتتبعها في كل مكان تذهب إليه‪ ،‬ولم تعش راحة‬          ‫رؤيتها من جديد‪ ..‬هل هذه حماقة‪ ..‬أه ربما» (ص‪،)10‬‬
     ‫كنماذج أخري من النساء‪ ،‬تواجه في كل مراحلها‬           ‫نظرة ميثولوجيه تنبع من ذاكرة ثقافية تحمل نكو ًصا‬
                                                          ‫قيميًّا وحضار ًّيا وعقائد ًّيا‪ ،‬المخلص جس ًدا مزينًا بالقيم‬
         ‫أعما ًل ثقيلة ليست لها؛ لكنها فرضت عليها‪.‬‬        ‫والشهامة من الخارج خر ًبا مسكو ًنا بالهمجية والفراغ‬
  ‫آمنة على الرغم من كل هذا التعب في الغربة‪ ،‬إلا أنها‬
  ‫عرفت من أمها أن زوجها ينفق المال الذي ترسله له‬               ‫من الداخل‪ ،‬أية حماقة أكبر من هذه التصريحات‬
 ‫على نزواته‪ ،‬ومتعه الشخصية‪ ،‬ولا يسأل عن طفلهما‪،‬‬            ‫التي تصف هذه العلاقة مع الجسد الذي لم تستغرق‬

       ‫ويأتي بالفتيات إلى بيتها في تح ٍّد ساف ٍر لتعبها‪،‬‬       ‫سويعات قليلة يصير بعدها المخلص وكأنه صار‬
‫وغربتها‪ .‬زوج آمنة نموذج آخر للرجل المتسلط المتنطع‬          ‫يمتلك الجسد الذي خلصه‪ ،‬فصار يفكر بمنطق الملكية‬

   ‫الذي يعيش على جهد زوجته‪ ،‬على تعب جسد منهك‬                 ‫الخاصة‪ ،‬يتعامل معه كأنه يعرفه من سنين طويلة‬
    ‫يقابله جسد مستريح يلبي متعه الحياتية من غير‬                ‫ضمن أشيائه التي يعبث بها‪ .‬الذات الكاتبة تقوم‬
                                                                ‫بفضح هذه النظرة الجسدية للرجل‪ ،‬حين يكون‬

                                                          ‫الامتهان لجسد المرأة‪ /‬جسد العالم‪ ،‬وهو يرتدي عباءة‬
                                                                             ‫القيم والمبادئ وشهامة المخلص‪.‬‬

                                                             ‫آمنة في قصة أنهيمالا غيَّر سيد البيت اسمها بحجة‬
                                                             ‫أنه لا يستطيع نطقه هو وأطفاله‪ ،‬كما أنه طلب منها‬

                                                              ‫أن تضع غطاء الرأس على شعرها‪ ،‬تدخل ذكوري‬
                                                           ‫سافر في خصوصيات امرأة لا تملك الاعتراض‪ ،‬فهي‬
   93   94   95   96   97   98   99   100   101   102   103