Page 102 - merit 39 feb 2022
P. 102

‫العـدد ‪38‬‬   ‫‪100‬‬

                                                       ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬

 ‫تملك فيه فتح النوافذ «هكذا نقلت وصايتي منها إليه‪،‬‬     ‫أمام عينيها وصارت تستمتع برؤية إبرتها تهتز يمينًا‬
  ‫وانا لم أكن مرة وحدي‪ ،‬في بيت امتلك فيه حق فتح‬          ‫وشما ًل قبل أن تستقر على خط واحد يحدد الاتجاه»‬
                               ‫النوافذ» (ص‪.)39‬‬         ‫(ص‪ .)36‬نعم‪ ،‬حينما امتلكت نسرين الاتجاه الصحيح‬
     ‫في قصة (خمسة وجوه لعالم حياة) نشاهد حياة‬            ‫وعرفت طريق التواصل مع ميراث أمها من أخواتها‬
   ‫في الوجه الأول وهي تحلم بشارع طويل معلق بين‬           ‫البنات‪ ،‬رأت أمها في ذاك المساء تجلس بجوارها على‬
    ‫جبلين‪ ،‬حيث كانت تمشي وتمشي والطريق يمتد‪،‬‬             ‫السرير تحكي لها حكاية النول‪ ،‬رسالة تحمل الرضا‬

‫حين وصلت حياة لسن الخمسين أحست بثقل العيش‪،‬‬                                    ‫والتواصل وامتلاك الطريق‪.‬‬
   ‫وأن حياة مجبرة للاستمرار في الحياة‪ ،‬تلك الثقيلة‬        ‫في قصة بيت الأرابيسك صور قهر متعددة تحاول‬
  ‫الممتدة «حياة مضطرة للحياة» (ص‪ .)41‬في حكايتها‬            ‫المرأة التعايش معها حينًا والشكوي أحيا ًنا كثيرة‪،‬‬
    ‫الثانية حياة اعتادت أن ترسل رسائل لأصدقائها‬           ‫حين ترتبط برجل في كل مراحل حياته التي مر بها‬
                                                         ‫كان لا يعاش في كنفه‪ ،‬ولا يؤمن جانبه‪ ،‬كيف تعيش‬
‫لإنقاذها لأنها وصلت إلى القاع تبحث عمن يشدها من‬        ‫المرأة مع رجل لا تأمن جانبه‪ ،‬يهضمها حقها في الأمان‬
  ‫يدها إلى أعلي‪ ،‬ينتشلها مما هي فيه لتواصل الحياة‪،‬‬       ‫والحرية والعيش المحترم «ظللت على يقين بأني أنام‬
  ‫ظلت تفعل ذلك مرا ًرا حتى وصلت إلى فقدها للقدرة‬         ‫مفتوحة العينين‪ ،‬لأنني أتمدد في سرير قاطع طريق‪،‬‬
  ‫على إطلاق النداءات‪ ،‬لأنها لم تجد من يستجيب‪ ،‬هو‬
     ‫قهر من نوع جديد حين لا تجد من يسمعك‪ ،‬من‬                ‫ذي شارب رفيع‪ ،‬ووجه لزج يعود كل ليلة وعلى‬
  ‫يرد على تساؤلاتك‪ ،‬فلما لم تجد كانت محتفظة دائ ًما‬       ‫أظافره القذرة أثار دماء طازجة» (ص‪ ،)35‬صورة‬
                                                        ‫مقززة لا ترقي للآدمية بما في فطرتها من سلام وما‬
‫بالإجابة‪ ،‬من خلال عبارتها المتكررة «إن كل شيء على‬         ‫يعلق في ثوبها من قيم‪ ،‬كما أنها وفي إحساسها هذا‬
  ‫ما يرام»‪ .‬في حكايتها الثالثة تظل حياة رهينة غد لم‬    ‫وبما يحيط بها من مناخ غير آدمي تتأمل لوحة تتماثل‬
  ‫يأت بعد‪ ،‬تظل تتابعه وتترقب وصوله‪ ،‬وتبحث عنه‬              ‫معها حين يكون للرجل السطوة والتحكم‪ ،‬ويصل‬
    ‫في كل مكان‪ ،‬وهو ضيف مخاتل ثقيل لا يستجيب‬           ‫لمرحل الدكتاتورية المطلقة «تضم صورة فتاة صغيرة‪،‬‬
                                                           ‫تسحبها يد رجل ضخم‪ ،‬وهي تسير خلفه‪ ،‬وليس‬
‫للنداء أو التوسل‪ ،‬خاصة وأن (حياة) لديها حكايات لم‬
‫تكتمل بعد تحتاج إلي نداوة الزمن كي تحقق ما تتمني‬                 ‫سوى الضباب يمتد بينها وبينه» (ص‪.)37‬‬
 ‫منها «وهذا ما عذبها أكثر‪ ،‬وجود أشياء معلقة تحتاج‬          ‫الأم تمارس القهر على بنتها قبل أن يمارسه عليها‬

    ‫إلى نهوض هي عاجزة عنه» (ص‪ .)43‬في حكايتها‬                 ‫زوجها‪ ،‬فهي التي أجبرتها على الزواج منه لأنه‬
  ‫الرابعة تبحث عن كيفية نهوضها «ينبغي أن تنهض‬            ‫يشبهها في تسلطها وجبروتها‪ ،‬لا يشبه أباها الطيب‬
                                                           ‫المسالم الذي يشبهها هي‪ ،‬أمها تجبرها على الزواج‬
     ‫سري ًعا‪ ،‬وأن تواصل العيش المطلوب منها‪ ،‬الدور‬
  ‫الذي ينتظره الجميع» (ص ‪ .)44‬ما زالت حياة بين‬              ‫منه‪ ،‬كانت هذه الأم متسلطة ترى الزوج والابنة‬
‫عالمين‪ :‬يد تدفعها للأمام مقدمة لها وجبات مميزة من‬         ‫ساذجين‪ ،‬فمارست مع بنتها فعل التسلط لتزوجها‬
  ‫التفاؤل؛ لكن جاذبية الأرض تشدها للقاع حاملة لها‬      ‫من ابن عمها‪ ،‬وواضح أنها هددتها بالسخط والغضب‬
  ‫متاعب الحياة وقسوة الأزمنة‪ .‬في حكايتها الخامسة‬       ‫عليها إن لم توافق‪ ،‬وهي بفطرتها استجابت لهذا الأمر‪،‬‬
 ‫لما أحست بصعوبة تحقيق غد أفضل‪ ،‬والظروف غير‬               ‫لكنها لامت نفسها بعد ذلك «كنت في سذاجة القطط‬
 ‫مواتية تشدها للقاع‪ ،‬أرادت أن تغير ملامحها‪ ،‬تبحث‬        ‫حين صدقتها بأنها ستغضب‪ ،‬وسترحل إن لم أرض‬
‫عن وجه آخر غير هذا الوجه الذي لم تنل من ورائه ما‬        ‫به‪ ،‬تدرك أمي دائ ًما كيف تنفذ ما تريد بأي الوسائل‪،‬‬
 ‫كانت تبغي‪ ،‬ربما في تغيير الوجوه تصنع فأ ًل جدي ًدا‪،‬‬
  ‫ربما تصل إلى ما تبغيه حين تكون إنسا ًنا غير الذي‬          ‫كيف تدير الرؤوس‪ ،‬وتلعب بالأفكار» (ص‪.)39‬‬
‫سبق «لبست ثو ًبا حرير ًّيا زاهيًا‪ ،‬من اللون الفيروزي‪،‬‬   ‫تتحدث الفتاة عن أمها كما تتحدث عن زوجها‪ ،‬وكيف‬
  ‫جلست على كرسي صغير أمام المرآة‪ ،‬وضعت طبقة‬            ‫ُنقلت الوصاية عليها من هذه الأم المتسلطة لهذا الزوج‬

     ‫من الكريم على وجهها‪ ،‬بدأت في تمليسه ووضع‬              ‫الميت الذي لا يمكن أن تعيش امرأة في كنفه‪ ،‬رجل‬
   ‫طبقات لامعة فوقه‪ ،‬لامست على العينين والشفتين‬            ‫جعلها تعيش في بيت مفتوحة العينين‪ ،‬كما أنها لا‬
   97   98   99   100   101   102   103   104   105   106   107