Page 105 - merit 39 feb 2022
P. 105

‫نون النسوة ‪1 0 3‬‬                                              ‫الوجع‪ ،‬كلما اقترب من هذا العالم الضبابي الغامض‬
                                                              ‫«لم يكن في علاقتهما فرح منتظر‪ ،‬هناك انتظار دائم‬
 ‫من جديد «جمعت الورقة في يدها‪ ،‬وألقت بها إلى سلة‬             ‫وقلق‪ ،‬وتساؤلات تشبه المستحيل‪ ،‬معلقة بين هاويتي‬
  ‫المهملات‪ ..‬أمسكت ورقة بيضاء ناصعة تما ًما‪ ،‬كزت‬
                                                                                           ‫الفراغ» (ص‪.)80‬‬
      ‫سن القلم‪ ،‬كانت تفكر في كلمة البدء» (ص‪.)88‬‬                ‫صارت سحر تبحث عن التحرر والانعتاق من هذه‬
      ‫الكاتبة في هذه المجموعة تلح على دعم المرأة من‬
    ‫خلال كشف معاناتها الإنسانية‪ ،‬وتشير إلي العديد‬                 ‫العلاقة التي لم تحس فيها بالقرب الذي ينبغي‪،‬‬
   ‫من الأطراف التي شاركت في صناعة أزمتها‪ ،‬كانت‬                   ‫الهالات الضبابية المحيطة‪ ،‬والصقيع الساقط على‬
    ‫موفقة في التنسيق بين الحدث والشخصية‪ ،‬فكلما‬                   ‫كل الأركان جعلها تبحث عن علاقة أخرى‪ ،‬طالما‬
 ‫قامت بتغيير حدثها ومشكلها الذي تعانيه شخصيتها‬                 ‫أن حبيبها قابع مكانه في الضباب «البحث عن حياة‬
     ‫النسائية‪ ،‬قامت في الوقت ذاته بتغيير الشخصية‪،‬‬            ‫موازية مفترضة‪ ،‬بديلة‪ ،‬كان يجب أن يكون هاجسها‪،‬‬
   ‫لذلك نجد في المجموعة شخصيات متنوعة مما عدد‬                   ‫أفول سريع خارج السيطرة‪ ،‬يدفعها للفرار‪ ،‬واعية‬
    ‫حولها نماذج التسلط والقهر‪ ،‬جاءت (سلمي) فتاة‬               ‫بعمق ضرورة التحرر» (ص‪ ،)81‬باحت بذلك سحر‪،‬‬
   ‫ليل‪ ،‬يمتهن المحيطون الأقربون جسدها‪ ،‬كما يمتهن‬             ‫ولم تكن في حاجة إلى إخفاء مشاعرها‪ ،‬كانت على ثقة‬
‫أهل البيت التي تخدم فيه آمنة جسدها وخصوصيتها‪،‬‬                 ‫من أنه سيقدر بوحها هذا‪ ،‬كل منهما يبحث أن يرى‬
‫والطفلة التي تعاني بسبب مشاكل والديها‪ ،‬والأم التي‬               ‫جرح الآخر حتى لو كان ذلك كالرقص في العتمة‪،‬‬
    ‫تعاني الوحدة والعوز بسبب سفر أبنائها وتركهم‬              ‫كلاهما يرقص من الألم‪ ،‬ويعلم برقص الآخر؛ لكنه لا‬
  ‫لها وحدها‪ ،‬والزوجة التي تتزوج من رجل لا تريده‪،‬‬              ‫يريد أن يراه‪ ،‬هنا في هذه المساحة من البوح تتداخل‬
‫والابنة التي تعبت بعد موت أمها التي كانت همها ربط‬              ‫تفاصيل الجسد معلنة عن وجوده دون الكشف عن‬
 ‫بناتها في نسيج واحد‪ ،‬والمرأة التي تعاني من صعوبة‬               ‫هويته داخل ذلك الفضاء الأعمى‪ ،‬ربما جميلة هي‬
    ‫العالم حولها وترى نفسها في مدينة ألعاب‪ ،‬الأسد‬               ‫البدايات؛ لكن النهايات في أغلب الأحايين مؤلمة من‬
  ‫رابض يستعد لكي يلتهم الفتاة التي تلاعبه وتراوغه‬           ‫كثرة ما تراكم عليها من شدة الألم‪ ،‬ومن هذه الجروح‬
      ‫ولن يستطيع التهامها‪ ،‬كما يأتي نموذج الحبيبة‬            ‫العارية التي تتعرى من الجلد الذي يحيط بها‪ ،‬واللحم‬
     ‫(سهي) التي تعترف بحبها لمن تحب لكنه يعشق‬                   ‫الذي تفصله عن بعضه البعض حتى يكون الجرح‬
     ‫العتمة‪ ،‬و(سحر) التي يقابل حبيبها قربها بالبعد‬           ‫فوق العصب الحساس فيكون الألم مميتًا‪ ،‬ها هما قد‬
 ‫عنه‪ ،‬يتضح مما سبق هذه التشكلات المتنوعة لنماذج‬              ‫وصلا م ًعا لهذه الدرجة من الألم‪ ،‬هو غارق في عزلته‬
‫المرأة؛ لكنها تتفق جمي ًعا في هذا الحس الاغترابي‪ ،‬وهذا‬      ‫وصمته وتفاصيله التي لا ترى‪ ،‬عاشق العتمة هذا قبل‬
‫الجسد الهش الذي صنعته علاقات الواقع غير السوي‪،‬‬                ‫أن يغادرها يشعل النور‪ ،‬فتظهر التفاصيل‪ ،‬وتتضح‬
‫وفرضته ظروفه الكرتونية الهشة للعلاقات بين المرأة‪،‬‬             ‫الأشياء التي كان من قبل يعشق غموضها وعتمتها‪،‬‬
                                                             ‫ذابت التفاصيل تحت أشعة الشمس‪ ،‬لماذا انتظر حتى‬
                          ‫وما يحيط بها من أشياء‬             ‫لحظة النهاية كي يسلط الضوء على تفاصيل ما بينهما‬
                                                             ‫ويخرج من عتمته‪ ،‬هو يريد أن يكفن ما حوته علاقته‬
                                ‫هامش‪:‬‬                       ‫برداء أبيض أنيق قبل الذهاب إلى مثواه الأخير‪ ،‬حاول‬
                                                               ‫أن يداري عري جسده‪ ،‬لكنه جاء بعد فوات الأوان‪.‬‬
       ‫* لنا عبد الرحمن‪ ،‬صندوق كرتوني يشبه الحياة‪ ،‬الهيئة‬          ‫يظهر مع الفضفضة سبب جديد لهذه النهايات‬
                                                            ‫الصعبة‪ ،‬إنه غياب الثقة «كانت تحكي ببرود في لقائهما‬
    ‫المصرية العامة للكتاب‪ ،‬سلسلة الإبداع العربي (‪،2016 )20‬‬   ‫الأخير قائلة بمنطقية‪ :‬إذن دعني أسمي ما حدث بيننا‬
                                                                 ‫أزمة ثقة‪ ..‬لا‪ ،‬دعني أكن محددة أكثر لأقول أزمة‬
                                   ‫أرقام الصفحات في المتن‪.‬‬    ‫ثقتك بي» (ص‪ .)85‬أصبحت سحر هي من تستطيع‬
                                                                ‫أن تتحكم في التخلص من النهايات الحزينة والبدء‬
   100   101   102   103   104   105   106   107   108   109   110