Page 113 - merit 39 feb 2022
P. 113
نون النسوة 1 1 1 أن الكاتب سيلتجئ بالضرورة إلى آليات أخرى
للتعريف بتلك الشخصيات؟ ما الذي يبرر مثل هذا
الأحداث بعد انقضائها ،لا تحتاج إلى اسم أو هوية
تعرفها لاتخاذها موقع المتفرج ،الشبيه بالمصور الاختيار؟
أثناء استعماله لعدسة الكاميرا. تلك هي بعض المسائل التي أثارتها قراءتنا
والرأي عندنا ،أن الكاتبة لنا عبد الرحمن كانت للمجموعة القصصية للكاتبة اللبنانية لنا عبد
على دراية تامة بأن تصوير ما عاشته الشخصية الرحمن بعنوان «صندوق كرتوني يشبه
الحياة» ،الصادرة عن الهيئة المصرية العامة
الأساسية من مشاهد من شأنه أن يجعلها مستغنية للكتاب سنة ،2016بعد أن اختارت الكاتبة أدوات
عن أي تعريف أو اسم ،فقد أوكلت إليها الكاتبة أخرى للكشف عن خفايا بعض شخصياتها التي
جاءت نكرة في بعض قصص مجموعتها ،وحاملة
مهمة سرد وقائع القصة بضمير المتكلم ،ومنحتها
الشغف بتأليف سيناريو فيلم جديد ،وهو ما لأسماء في الجزء الآخر منها.
ويمكن القول إن المكان قد اتخذ عدة أدوار ،فتارة
يستوجب علمها بتقنيات التصوير واتخاذ المسافة كان المرجع المعتمد للتعريف بالشخصية ،وطو ًرا
والدراية الكافيتين أثناء التقاط اللحظات الحاسمة بات علامة لتأزمها وصراعها مع واقعها ،وأحيا ًنا
أخرى اكتسب ُبع ًدا عجائبيًّا ليصبح فضا ًء خار ًقا
في مجرى الأحداث ،لذلك تميز وصف الكاتبة
للعالم الخارجي بالحيوية والدقة والانسياب ،مما للعادة ،بينما التحم بالبعد الزماني في بعض
جعل المكان يكتسي بع ًدا سحر ًّيا خار ًقا للعادة أثناء القصص الأخرى.
تصويره للواقع. كما تجدر الملاحظة بأن تسمية بعض الشخصيات
في المجموعة القصصية المذكورة جاءت أحيانا
-2المكان كعلامة لتأزم الشخصية ملتبسة ،مما يجعلنا نطرح مسألة علاقة
الأساسية
الشخصيات تارة بذاتها وطو ًرا بمحيطها الخارجي.
وتجدر الإشارة إلى أن الكاتبة اختارت سرد قصص وسنتطرق لمثل هذه المواضيع كما يلي:
أخرى بضمير الغائب مع استمرارها في نحت
-1علاقة الشخصية الرئيسية بالمكان
شخصيات نكرة لا تحمل اس ًما ،وهي شخصيات
تعيش في مكان معين ،سعت الكاتبة إلى وصفه في القصة الأولى بعنوان «صندوق كرتوني يشبه
الحياة» ،يمكن أن نستنتج أمرين :الأول موقع
بكل ما يزخر به من تفاصيل ،لذلك اعتمدت بعض الشخصية الرئيسية من الأحداث التي عاشتها
قصصها على عنصرين متلازمين هما :العالم
لحظة سردها ،الثاني اختيار الكاتبة ضمير المتكلم
الخارجي الذي يجسمه إطار مكاني معين من جهة كطريقة في السرد.
والشخصية الأساسية من جهة أخرى؛ وبتطور
لقد بدأت الشخصية الرئيسية بتشبيه ما عاشته
الأحداث يحدث بينهما شرخ يجعل الشخصية تعي من أحداث بالصندوق الكرتوني الذي انبعثت منه
بذاتها ،فتدرك ما تعيشه من ألم وغربة .فشخصيات
لنا عبد الرحمن تعيش غربة نفسية عميقة ،لا يدرك كائنات غريبة عجيبة ،ومعنى ذلك أنها اتخذت
المسافة الزمنية الكافية حتى تعيد النظر في تلك
المتلقي أسبابها من الوهلة الأولى ،لبراعة الكاتبة الأحداث لحظة سردها ،وأن تقص ما وقع لها من
في وصف المكان قبل أن تكشف لنا عن خفاياه زاوية أخرى ،جعلتها بفضل تقنية «الاسترجاع»
أو «الفلاش باك» تشاهد ما حدث لها عن بعد،
وأسراره. بعد تجاوزها لمشاعر الخوف والشك والرغبة التي
ففي قصة «البحر يتجه شما ًل» ،كان البحر حسب عاشتها ،ومعنى ذلك أنها أصبحت خارج صيرورة
رواية الشخصية الرئيسية مسر ًحا للأحداث،
شاه ًدا عليها بل ومنخر ًطا فيها ،باعتباره معر ًفا
لهوية البطل ألا وهي :طفل البحر الذي من المفترض
أن يكون ابنًا لرجل البحر مع ما أحاط تلك الهوية
من أحداث درامية ،وفي قصة «بيت الارابيسك»،