Page 117 - merit 39 feb 2022
P. 117
نون النسوة 1 1 5 فتجد فيها جثة لا تعرف صاحبها .ويكون عليها أن
تواجه العالم كي تثبت براءتها.
على الكمبيوتر وأنا أكتب عن «نورجهان» الأميرة ***
المصرية ،تلك الروح العتيقة الآتية من بعيد لتحكي
قصتها لبشرى ،المرأة التي فقدت والدتها سندها الوحيد من المؤكد أن ثمة شيء من الحقيقة في خيالاتنا عن
في الحياة ،ويصير عليها مواجهة واقع حياتها الجديدة الكتابة ،وفي الصوت الذي يدفعنا للإمساك بالقلم ،لكني
في القاهرة ،في الوقت الذي تغوص عمي ًقا في ذاكرتها لا أتجاوب مع الصوت الهامس الحاض على الكتابة إلا
التي تستدعي داخلها حياة ماضية. عندما يشتد ويتحول إلى صراخ في رأسي .حدث هذا
*** وأنا أكتب قصة «مدينة الألعاب» و»صندوق كرتوني
يشبه الحياة» ،وعدة قصص أخرى ،صوت يدفعني
في جزء واقعي ج ًّدا ،أعتبر نفسي محظوظة لنشأتي في
عائلة تهتم بالقراءة ،أمي منذ الطفولة كانت تشتري لي للتوقف عن كل شيء والإنصات له.
الكتب وتحرضني على القراءة ،ربما لهذا السبب ظلت أما في الرواية فحين بدأت كتابة «أغنية لمارغريت» كان
علاقتي بالكتب وطيدة رغم انتقالنا بسبب ظروف الانشغال الداخلي بفكرة العلاقة مع الزمن يأخذني
الحرب الأهلية بين بيروت دمشق ،الجبل والبقاع ،ثم إلى دوامته؛ أسئلة ملحة كثيرة طغت على النص ،عبر
بيروت مرة أخرى .ظلت هناك مكتبة في كل بيت كنا حضور صورة مارغريت دوراس مع يان أندريا ،تلك
نسكنه ..هذه الألفة مع الكتب جعلتها مخلوقات نبيلة الصورة ظلت تعيش معي طوال اليوم أثناء الكتابة .ولم
تعيش معنا ،لذا لم يكن أمامي في أيام البرد في الجبل، أكن قد شاهدت الفيلم الذي يتناول حياتهما م ًعا ،لكن
سوى الاحتماء بالكتب هرو ًبا من البرد والملل ،كانت صورة مارغريت في بيتها البعيد عن باريس ،تجلس
القصص تأخذني إلى عوالم ساحرة وبعيدة ،يخيل إل َّي ثملة في غرفة الكتابة ظلت تسكن داخلي ،وتتقاطع مع
أنها حلم وأنني لن أكتشفها في يوم من الأيام .لذا فيما حكاية فتاة أخرى تدعى زينب ،هاربة مع عائلتها من
بعد حين جاء فعل الكتابة ،لم أحس أنه منفصل عن فعل الحرب ،وتجد العزاء في حكاية تبعد عنها آلاف الأميال،
القراءة ،وكما لو أن البداية هي وصل لمرحلة سابقة،
ثم كان عليَّ النظر إلى كتابتي من خارج ذاتي ،رؤيتها لذا صارت تكتب خطابات إلى يان آندريا ،حبيب
مارغريت دوراس.
بموضوعية وحياد بعي ًدا عن الانفعال الشخصي.
*** مع رواية «ثلج القاهرة» لاحقتني أسئلة مختلفة،
انشغالات فلسفية وروحية وصوفية ،لاحقني التساؤل
كان أكثر ما يشغلني أمران ،حدث الموت ،ربما لأني
واجهته كثي ًرا منذ الصغر ،ثم العلاقة مع المدينة. عن الروح ،بعد الموت تحدي ًدا ،أين يذهب هذا الوعي
الذي يسكننا؟ هل يتلاشى ح ًّقا في العدم ،فلا يظل منه
انشغالي بالموت جاء من ذاكرة الحرب ،من هنا جاء شيء؟ كانت تنتابني ارتعاشات تدفعني للنقر سري ًعا
عنوان مجموعتي القصصية الثانية «الموتى لا يكذبون»،
فقد حاولت في بعض قصص المجموعة ملامسة فكرة
الغياب المادي للجسد وحضور الروح المبهم ،الغامض،
هذا ما فعلته في القصة التي حملت عنوان المجموعة،
كذلك تناولته من قبل في مجموعتي القصصية الأولى
«أوهام شرقية» ،عبر قصة «تقمص» وقصة «لون مر»،
وقصة «المعبر».
رغم أنني لم أح َي الحرب مباشرة ،بعبارة أكثر دقة
كشخص راشد ،لقد شاهدت بعين الطفولة جز ًءا منها،
وفي مراهقتي عشت إفرازات الحرب وآثارها على
المجتمع ،لكني أدرك أن ذاكرة الشعب اللبناني مليئة
بالحروب ،لا يمكن أن يغيب هذا الأمر في الواقع ،لذا لا
يمكنه أن يغيب في الكتابة ،لا أقدر أن أقول إن كتابتي