Page 121 - merit 39 feb 2022
P. 121

‫‪119‬‬                   ‫تجديد الخطاب‬

‫محمد الطاهر بن عاشور‬  ‫محمد الحبيب بلخوجة‬  ‫علال الفاسى‬                         ‫مستقبلية‪ ،‬لا إعادة اكتشافها في‬
                                                                                                    ‫التاريخ‪.‬‬
     ‫والتقييد لا التوسع‪ .‬لم يكن‬              ‫يجعلنا نتساءل عن سبب فقر‬
 ‫يريد لمبحثه في المقاصد أن يكون‬             ‫الحصاد الفكري الناتج عن هذا‬          ‫أما كلمة «الشريعة» فالأصل‬
 ‫إضافة بل بدي ًل ينفي غيره مما‬                                               ‫فيها أنها تعني الدين كله بعقائده‬
  ‫كان سائ ًدا في عصره‪ .‬وزاد من‬                ‫المبحث وعن أسباب فشله في‬       ‫ومعاملاته كما في قوله تعالى «ثم‬
‫تشدده فكان يريد قصر التفسير‬                 ‫مواجهة توتر القرآن وتحديات‬
                                                                                ‫جعلناك على شريعة من الأمر‬
    ‫على العرب وعلى من هو عالم‬                                    ‫العصر‪.‬‬      ‫فاتبعها» (الجاثية‪ .)١٨ :‬تقسيمات‬
    ‫بالمقاصد‪ ،‬فقال‪« :‬فإن القرآن‬                 ‫يستعرض المقال بع ًضا من‬      ‫الشريعة يعتبرها البعض عبادات‬
  ‫والسنه لما كانا عربيين لم يكن‬            ‫المشكلات التي أدت لهذا الفشل‪.‬‬      ‫ومعاملات وأخلاق‪ ،‬والبعض قد‬
‫لينظر فيهما إلا عربي‪ ،‬كما أن من‬
 ‫لم يعرف مقاصدهما‪ ،‬لم يحل له‬              ‫المشكلة الأولى‪ :‬البداية‬             ‫يفهم الشريعة بمعنى كل أحكام‬
   ‫أن يتكلم فيهما‪ ،‬إذ لا يصح له‬            ‫كانت إقصاء لا إثراء‬                    ‫الدين فيما عدا العقائد‪ .‬وقد‬
 ‫نظر حتى يكون عالمًا بهما‪ ،‬فإنه‬
    ‫إذا كان كذلك لم يختلف عليه‬            ‫لعله كان من الدال على سوء المآل‬     ‫قرر بن عاشور (‪١٩٧٣ -١٨٧٩‬‬
  ‫شيء من الشريعة» (الموافقات‬                 ‫أن هدف الشاطبي من دعوته‬             ‫ميلادية) أن مقاصد التشريع‬
‫للشاطبي‪ ،‬من محاضرة‪ ،‬المقاصد‬                                                      ‫العامة هي‪« :‬المعاني‪ ،‬والحكم‬
    ‫القرآنية عند الشاطبي وعلال‬              ‫للبحث عن المقاصد‪ ،‬لم يكن هو‬
  ‫الفاسي‪ ،‬لأحمد كافي‪ ،‬أغسطس‬               ‫إثراء الفكر الديني أو إضافة آلية‬   ‫الملحوظة للشارع في جميع أحوال‬
                                            ‫جديدة لآليات التفسير‪ ،‬بل كان‬       ‫التشريع‪ ،‬أو معظمها‪ ،‬بحيث لا‬
                       ‫‪.)٢٠١٥‬‬                                                    ‫تختص ملاحظتها بالكون في‬
‫وهكذا نرى أن البداية الأولى لهذا‬             ‫الدافع لمبحثه هو انزعاجه من‬      ‫نوع خاص من أحكام الشريعة»‬
                                          ‫«تعدد القراءات» (تعدد التفاسير)‬       ‫(مقاصد الشريعة الإسلامية)‪.‬‬
    ‫العلم على يد منشئه ومبتدعه‬                                                  ‫أو كما ورد في تحقيق الحبيب‬
‫كانت بداية إقصاء لا إثراء‪ ،‬وأنها‬               ‫والاختلاف في الفهم إلى حد‬
                                               ‫التناقض «يستدلون بالدليل‬      ‫بلخوجة (‪ )٢٠١٢ -١٩٢٢‬لكتاب‬
                                            ‫على الأمر ونقيضه»‪ .‬كان هدف‬       ‫بن عاشور‪« :‬المقاصد هي الغايات‬
                                             ‫الشاطبي إ ًذا التحديد والتقليل‬
                                                                               ‫الكبرى والعلل العظمى والحكم‬
                                                                                    ‫المنوطة بالأحكام الشرعية‬

                                                                               ‫فيما يتعلق بالعقيدة والعبادات‬
                                                                              ‫والمعاملات والأخلاق والآداب»‪.‬‬
                                                                             ‫ذلك المدخل الشمولي الذي يشمل‬

                                                                                  ‫الدين كله كان يعد بإمكانية‬
                                                                             ‫تجاوز الرؤية التفتيتية التجزيئية‬

                                                                                   ‫في التفسير عن طريق دمج‬
                                                                                   ‫الأفكار المتضمنة في أنساق‬
                                                                             ‫القرآن المختلفة داخل إطار فكري‬

                                                                                            ‫مقاصدي واحد‪.‬‬
                                                                             ‫بنا ًء على ما سبق يمكننا أن ندعي‬

                                                                               ‫أن مبحث مقاصد الشريعة كان‬
                                                                               ‫منذ نشأته يمتلك أسا ًسا فكر ًّيا‬
                                                                                ‫نظر ًّيا غنيًّا مملو ًءا بالإمكانيات‬

                                                                                 ‫التي تمكنه من تقديم الجديد‬
                                                                               ‫والكثير في الفقه والتفسير‪ .‬مما‬
   116   117   118   119   120   121   122   123   124   125   126