Page 118 - merit 39 feb 2022
P. 118
العـدد 38 116
فبراير ٢٠٢2
ليست الصورة الحقيقية ولا تغطى كل شرائح الشعب هي عن الحرب بشكل مباشر ،بل إن ما كتبه الكتاب
اللبنانى مثل الدراما المصرية التى تقدم القصور اللبنانيون الكبار في أعمالهم الروائية يشكل تأري ًخا
لكل بشاعات الحروب وإفرازاتها المسمومة على جيلها
والفيلات فإنها لا تغطى كل الشعب المصرى ،والقاهرة
المقدمة تختلف عن قاهرة الأفلام. وعلى الجيل الذي تلاه ،من هنا لا يمكن لجيلنا أن
يكتب أروع مما كتبوا هم عن الحرب ،هنا أنا لست في
أما المدينة في الكتابة فهي «بيروت» ،هي المكان الدائم صدد المقارنة طب ًعا ،لكن كما أظن أن كتابة جيلنا تعني
الذي أكتب عنه ،إنها أرضي وساحتي التي لم أتمكن بالأثر الاجتماعي لما بعد الحرب وليس بالحرب نفسها
من الخروج منها بعد ،رغم أنني لا أحيا علاقتي معها كوقائع .كان التلميح النقدي الذي وجه لكتابتي سواء
من بوابة «التعلق» بالمكان كواقع ،بل من شرفة الحرية، في المجموعتين القصصيتن المذكورتين ،أو في روايتي
حيث رؤيتي لها وعلاقتي بها متحررة من التعلق الأولى «حدائق السراب» هو نبض الأبطال بذاكرة
المكاني المرهق .فالأماكن ماد ًّيا لا تشكل لي شيئًا ،أشعر الحرب ،ووجود أثر نفسي مباشر على سلوكهم وردود
أنى أحيا ضمن مربع كتبى وأوراقى ،وأعمل على تحرير أفعالهم .هذا صحيح إذ لم يكن بامكاني التطهر بسهولة
نفسى من الارتباطات بالأشياء والتعلق المميت ،أعيش
من ذاكرتي ومن مشاهداتي الراسخة في العمق.
الحياة داخليًّا أكثر ،لذلك العلاقة مع بيروت تبدو لي تنبهت لهذا الأمر أكثر بعد كتابة روايتي «تلامس»،
علاقة نفسية وكتابية أكثر مما هي واقعية ،ربما لأني حيث تحضر الحرب حتى الجزء الأخير من الرواية
باستمرار أغادرها وأعود إليها ،أمارس رؤيتي لها عن كصورة خلفية للنص ،أي ًضا عبر نتائجها على شخصية
بعد وقرب ،من الداخل والخارج ،بكل عللها وحسناتها، الأب ،الأم ،الجدة ،العمة المصابة بالجنون ،لكن الرواية
من هنا ظل هاجس المكان لا يسيطر عليَّ واقعيًّا لكنه
تنتهي وقائعها بحرب جديدة ،هي (حرب تموز)
يعنى لي ابداعيًّا الكثير. ،2006أي تنفتح على معاناة أخرى للجيل الشاب.
في رواية «بودابار» ،تحضر بيروت أي ًضا عبر حي يقع لعلها بقايا الحرب يضاف إليها دخول العولمة إلى
على خطوط التماس ،تبدأ الأحداث مع حادثة قتل جمانة حياة الناس ،هذا لم يهز المجتمع الللبناني فقط ،ربما
واختفاء جثتها .لكن الرواية معنية بالاغتراب والتشظي أثر على كل المجتمعات العربية بشكل أو بآخر ،لكن
في رواية «تلامس» حاولت رصد شريحة اجتماعية
الذي نحياه في هذه المرحلة من الزمن .الاغتراب معينة من المجتمع اللبناني (الطبقة الوسطى) ،التي لا
الروحي الذي يؤدي بنا إلى التيه ،والتشبث بأوهام تملك وسائلها الكافية للصمود ومقاومة التيار ،مما
يؤدي لانسحابها ،لذا بدت الشخصيات متجاوبة مع
شتى. واقعها ،لأنها جزء منه .لعلي انشغلت أي ًضا في الحديث
*** عن الصورة المعبرة عن لبنان فى الإعلام ،والقول إنها
عما نتحدث إن لم نتحدث عن الكتابة!
تساعدنا الكتابة على
التطهر ،على التذكر
من أجل النسيان ،على
التخلص مما يتراكم في
ذاكرتنا من حمولات
ثقيلة .لكن في المقام الأول
تظل الكتابة معنية بالفن،
بالحب ،بالجمال ،بالوعي
النبيل لاكتشاف العالم
والتواصل مع الآخر
الغريب والبعيد