Page 123 - merit 39 feb 2022
P. 123

‫‪121‬‬  ‫تجديد الخطاب‬

   ‫يستخدمها المفسر في بحثه عن‬        ‫من دون أن يمسها هي بالنقد أو‬       ‫من حفظ الدين والنفس والعقل‬
  ‫المقصد‪ ،‬فأهم الفروق بين العلل‬                            ‫التغيير‪.‬‬     ‫والنسل والمال‪ .‬وما تلك المقاصد‬
                                                                       ‫في الواقع إلا انعكا ًسا لما تصوره‬
    ‫(الأسباب) والمقاصد أن العلل‬     ‫المشكلة الرابعة‪ :‬الخلط‬
      ‫قائمة بالفعل بينما المقاصد‬     ‫بين العلل والمقاصد‬                   ‫الغزالي من حكمة أبدية وغاية‬
                                                                        ‫نهائية للحدود التقليدية (الردة‪،‬‬
  ‫مستقبلية‪ ،‬العلل تبدأ في الماضي‬        ‫أدرك الفقهاء الفرق في المعنى‬
   ‫وتنتهي في الحاضر‪ ،‬والمقاصد‬            ‫بين العلة (السبب) والمقصد‬        ‫القصاص‪ ،‬شرب الخمر‪ ،‬الزنا‬
‫تبدأ من حيث انتهت العلل لتتحقق‬        ‫(الهدف أو الغاية)‪ ،‬وأوضحوه‬                           ‫والسرقة)‪.‬‬
                                        ‫بأمثلة كحكم الإفطار وقصر‬
     ‫في المستقبل‪ .‬ويمكننا الجدل‬      ‫الصلاة في السفر‪ ،‬فقالوا إن علة‬      ‫لم تكن آيات الحدود إ ًذا مجرد‬
    ‫أن المقاصد الخمسة الشهيرة‬         ‫الحكم هي السفر‪ ،‬ومقصده هو‬        ‫رافد من روافد القرآن ولا سيا ًقا‬
   ‫للشريعة والتي قررها الغزالي‪:‬‬     ‫التيسير ورفع المشقة‪ .‬كذلك حكم‬       ‫يتم تضفيره مع آيات المعاملات‬
                                    ‫تحريم الخمر‪ ،‬علته الإسكار بينما‬
      ‫حفظ الدين والنفس والعقل‬           ‫مقصده هو حفظ العقل ودرء‬           ‫والأخلاق والقصص والعقائد‬
  ‫والنسل والمال‪ ،‬هي في حقيقتها‬                                         ‫لاستلهام حكمة مخفية‪ ،‬كما كان‬
 ‫علل لا مقاصد للأحكام‪ ،‬وحجتنا‬                              ‫المفسدة‪.‬‬
  ‫العقلية على هذه التفرقة أن تلك‬          ‫غير أن الريسوني في كتابه‬        ‫المفترض في أدبيات هذا العلم‪.‬‬
                                      ‫محاضرات في مقاصد الشريعة‬        ‫بل كانت آيات الحدود هي البداية‬
    ‫المبادئ كانت بالفعل معروفة‬       ‫يوضح «وكذلك عبروا (العلماء)‬      ‫والنهاية‪ ،‬الأصل الذي يقاس عليه‪،‬‬
   ‫ومعتبرة ومستقرة في المجتمع‬       ‫عن مقصود الشرع العلة والعلل‪.‬‬       ‫الكل الذي تجتمع حوله الأجزاء‪،‬‬
    ‫العربي بل وسائر المجتمعات‬        ‫فالعلة في كثير من الاستعمالات‬     ‫وتجسيد للحقيقة التي نبحث عن‬
   ‫والحضارات من قبل التشريع‬           ‫تساوي المقصد والعلل تساوي‬
    ‫الإسلامي‪ ،‬وفي كل منها كان‬                                            ‫حكمتها‪ .‬وضعت آيات الحدود‬
    ‫هناك دائ ًما من أحكام العرف‬                          ‫المقاصد»‪.‬‬      ‫حدو ًدا للفكر وللتفسير ولخيال‬
  ‫أو القانون ما يحافظ عليها‪ ،‬فما‬      ‫ولعل هذه السيولة في استخدام‬       ‫المفسرين ولبوصلتهم الأخلاقية‬
  ‫هو المقصد من أن تحفظ ما هو‬         ‫الألفاظ أدت لانحراف في طريقة‬       ‫ولطموحهم الإنساني‪ ،‬فلم يأتوا‬
‫محفوظ بالفعل؟ وما الجديد الذي‬         ‫النظر للنصوص‪ ،‬وللزاوية التي‬
 ‫أتى به الشرع فيها وكان مخال ًفا‬                                           ‫بجديد وصارت تلك المقاصد‬
   ‫لما قبله؟ اعتبار تلك المبادئ من‬                                         ‫الكلية طوط ًما ظل المفسرون‬
   ‫المقاصد يتوقف بفلسفتها عند‬                                            ‫يطوفون حوله لقرون‪ ،‬قبل أن‬
                                                                       ‫يتجرأ بن عاشور ويقترح إضافة‬
                                                                      ‫مقصد الحرية لتلك المقاصد‬
   118   119   120   121   122   123   124   125   126   127   128