Page 127 - merit 39 feb 2022
P. 127

‫‪125‬‬  ‫تجديد الخطاب‬

‫وصف النجاسة الديني ذا التبعات‬               ‫‪ -١‬الذهنية‬                                        ‫ونود في بداية‬
    ‫السيئة في الاجتماع البشري‪.‬‬       ‫الصنمية‪ ،‬والخرافية‪:‬‬                                          ‫هذا المقال‬

  ‫وقبل وفاة النبي لم يكن القرآن‬    ‫الصنمية كذهنية التقرب لله زلفى‬                        ‫التأكيد على نقطتين‪:‬‬
 ‫قد تم جمعه‪ ،‬لم يكن هناك كتاب‬          ‫عبر وسائط‪ ،‬تقدس القرآن في‬               ‫الأولى‪ :‬أن عنايتنا منصرفة عن‬
  ‫بين دفتين اسمه المصحف‪ ،‬كان‬                                                   ‫الخلافات اللاهوتية إلى التناول‬
  ‫القرآن ينزل فيحفظ في الصدور‬      ‫شكله كتا ًبا ماد ًّيا‪ ،‬باسم المصحف‪،‬‬          ‫العقلي في الواقع المعيش‪ ،‬رغم‬
  ‫للتداول الشفاهي‪ ،‬والتعبير عنه‬    ‫انعكا ًسا أو امتدا ًدا ثانو ًّيا لتقديس‬
                                                                                 ‫شدة أثر بعضها؛ مث ًل القول‬
      ‫بصفته كتا ًبا في آيات كثيرة‬      ‫القرآن أوليًّا في ذاته‪ ،‬باعتباره‬       ‫بأزلية القرآن مرتبط بالقول إنه‬
   ‫يحتمل تأويلات عدة لعل منها‬       ‫كلام الله‪ ،‬هذا يتسق مع المظهرية‬         ‫صالح لكل زمان ومكان‪ ،‬وحرفية‬
   ‫المشابهة مع التوراة والإنجيل‪،‬‬                                               ‫الفهم وتضييق فرص التأويل‪،‬‬
  ‫وما دام القرآن لم يكن قد ُجمع‬         ‫والاستعراض‪ ،‬ولعله أساس‬                 ‫بينما القول بخلق القرآن يعني‬
                                         ‫الرؤية الرجعية لقوله تعالى‬
      ‫في مصحف قبل وفاة النبي‬          ‫«لا يمسه إلا المطهرون»‪ ،‬حيث‬                ‫تاريخيته‪ ،‬وارتباطه بظروف‬
  ‫فمؤكد أنه لم يو ِص بوضعه في‬        ‫يبلغ التقديس حد التحسس من‬                ‫نزوله‪ ،‬ومن ثم مساحة أكبر في‬
‫أركان البيوت والمحال والسيارات‬          ‫الملامسة‪ ،‬وقد تكاثرت أقوال‬
  ‫وكل مكان‪ ،‬وبالذهنية الصنمية‬            ‫الفقهاء في معنى المطهرون‪،‬‬                           ‫الفهم والتأويل‪.‬‬
                                    ‫وبالتضييق والمزايدة‪ ،‬فانحيازهم‬           ‫الثانية‪ :‬أننا لا نزعم الإحاطة بأي‬
       ‫والخرافية للرجعية الدينية‬          ‫عمو ًما انتهى إلى اعتبار أن‬       ‫إشكالية مقترحة هنا‪ ،‬نحاول فقط‬
  ‫ُيستعمل المصحف بركة وحف ًظا‬           ‫المطهرين هم المتوضئون على‬           ‫إثارة بعض التساؤلات كخربشات‬
                                      ‫حساب رؤية جعلت التطهر هو‬
       ‫كالتمائم لتحصين الأماكن‬     ‫من الجنابة فقط‪ .‬ورؤى تبدو أكثر‬                          ‫على جدار سميك‪.‬‬
     ‫والسيارات من الأخطار‪ ،‬ولا‬         ‫تسام ًحا جعلت التطهر بإيمان‬           ‫وفي الإشكالات القرآنية القديمة‪،‬‬
     ‫تخلو المنازل التي تشب فيها‬     ‫القلب‪ ،‬لكنها تؤبد فهمها الرجعي‬
   ‫الحرائق من المصاحف‪ ،‬كما لم‬           ‫لقوله تعالى‪« :‬إنما المشركون‬             ‫يكمن كثير من جذور التعامل‬
 ‫ُتجرى دراسة إحصائية تثبت أن‬       ‫نجس»‪ ،‬بهذا فما بدا أكثر تسام ًحا‬            ‫الرجعي الحديث مع القرآن من‬
 ‫الحوادث تقع للسيارات التي بها‬        ‫في شأن ملامسة المصحف هو‬                  ‫الجهتين الموضوعية والشكلية‪،‬‬
                                    ‫متطرف بل وعنصري من وجهة‬                    ‫وسيكون اهتمامنا هنا الجانب‬
       ‫مصاحف أقل مما سواها‪.‬‬             ‫إنسانية‪ ،‬إذ يلحق بالمختلفين‬
    ‫هكذا يترجم العقل الرجعي ما‬                                                  ‫الشكلي أسا ًسا‪ ،‬وهو دال على‬
  ‫تأسس عليه من مفاهيم خرافية‬                                                    ‫الجانب الموضوعي‪ ،‬ومتكامل‬

                                                                                   ‫معه‪ ،‬حيث انصرفت عقول‬
                                                                              ‫كبيرة على مدار التاريخ للجانب‬
                                                                             ‫الموضوعي‪ .‬ومعظم أو كل البنود‬
                                                                            ‫التالية رءوس موضوعات تستحق‬
                                                                             ‫البحث بشكل منفصل وتفصيلي‪:‬‬
   122   123   124   125   126   127   128   129   130   131   132