Page 114 - merit 39 feb 2022
P. 114
العـدد 38 112
فبراير ٢٠٢2
وتجدر الإشارة إلى أن الكاتبة لم تكتف بتصوير المكان هو من يكشف لنا ما تعيشه الشخصية
المكان بكثير من الحيوية والدقة ،كما سبق وبينَّا، الرئيسية من تداخل بين الواقع والخيال ،وهو
بل إنها تناولت أي ًضا المسألة الزمنية من منظورها، المعبر عن ماضيها ،بل وهو أيضا جزء لا يتجزأ من
حياتها وأحد أسباب عزلتها واغترابها ،أما في قصة
وطرق إدراكها واتصالها بالمكان. «مكعبات السكر» ،فقد صورته لنا الكاتبة في شكل
حلبة صراع خفية من أجل الحصول على شغل،
-4في البعد الزماني وارتباطه بالمكان: لتكشف لنا تدريجيًّا عن الشخصيات المتنافسة
لم تكن علاقة الشخصيات القصصية شائكة بالمكان داخله.
فقط ،بل بالزمان أيضا ،ففي قصة «نيجاتيف
مشوش لأيام الأسبوع» تتخذ أيام الأسبوع -3البعد العجائبي للمكان
هيئة رفيق ،تتغير صفاته في كل يوم أثناء مرافقته لقد خلقت الكاتبة من المكان فضا ًء حيًّا متحو ًل
للشخصية الأساسية ،فيبدو لها يوم الأحد في هيئة مليئًا بالأسرار ،بما في ذلك البعد السحري ،كما هو
الرفيق الممل ،والاثنين في هيئة الرجل المتزن الحالم الشأن في قصة «ورقة اللعب»،إلا أنه ليس سحر ًّيا
والبطيء ،والثلاثاء في هيئة المراوغ ،والأربعاء في من المنظور الذاتي للشخصية الرئيسية ،أي من
هيئة الرجل الخفيف الأليف القريب من وجدانها، منطلق رؤيتها للأحداث ،كما كان الشأن في قصة
«صندوق كرتوني يشبه الحياة» ،بل باعتباره
بعد أن كانت تشكو من وحدة قاتلة. الجانب الخفي للواقع الذي نعيشه ،فتنطلق القصة
لذلك ،دارت جميع أحداث القصة حول الزمان من أحداث عادية ،جلوس الراوية (المتحدثة بضمير
وصفاته ،وتشبيهه بالإنسان القريب من الشخصية
الرئيسية للقصة ،المتحكم في تسيير شؤونها المتكلم) بمقهى ،ثم بروز عرافة منقبة رمت على
طاولتها أوراق اللعب لقراءة الطالع ،لكن الشخصية
اليومية بأجوائها المختلفة ،وما تتسم به من
ضجة وخواء وفقدان للمعنى .مما يدفعنا إلى الرئيسية سترفض الانخراط في تلك لعبة لعدم
طرح السؤالين الآتيين :ترى هل كان إدراك تلك إيمانها بإمكانية معرفة الغيب ،تتحرك الأوراق بفعل
الشخصية بالزمان سيكون مختل ًفا لو لم تكن تشعر
بالوحدة والغربة؟ هل كانت علاقاتها بغيرها من قوة خفية ،فتغادر بطلة القصة طاولتها باتجاه
الناس ستجعل الزمان أقل وطأة عليها وحضو ًرا الحمام ،بعد أن راودتها شكوك حول المشهد الذي
بلغ ح َّد التجسيد؟ أسئلة فلسفية عديدة أخرى يمكن رأته إن كان حقيقة أم خيا ًل ،حيث تلتقي بالعرافة
طرحها انطلا ًقا من القصة ،رغم وضوح أسلوبها التي كانت امرأة بانت عليها علامات المرض الخبيث
وعباراتها السلسة السهلة ،وبنيتها التي اتخذت «السرطان» ،لفقدانها شعر الرأس والحاجبين ،ما
شكل اليوميات. فتئت أن غادرت المكان دون رجعة.
أما في قصة «محطة نيويورك وبئر ستوكهولم»، بانسحاب العرافة ،تتساءل الراوية عن حقيقة
فتروي لنا الكاتبة قصة عشيقين افترقا ،هاجر كل ظهورها ،إن كان قد حدث فع ًل أم لا ،كذلك يتداخل
في القصة البعد المرئي المحسوس للمكان ببعده
منهما للعيش في بلد ،فكانت وجهة الرجل مدينة الخفي ،الذي لا يدرك ولا يرى ،ثم تواترهما
نيويورك ووجهة المرأة وتدعى «سحر» مدينة وارتباطهما ،مما جعل القصة محملة بأكثر من
معنى ومن تأويل ،لتترك لدى المتلقي أكثر من
ستوكهولم ،ليستعيد كل منهما ذكريات ما حدث سؤال حول حقيقة الواقع إن كان يتجاوز ما نراه
بينهما ،فتضفي قصة الحب التي جمعتهما على ونشهده أم لا ،عن علاقته بالزمان أي بالحاضر
والمستقبل ،عن حقيقة امتلاك بعض الناس لملكة
المدينتين أجوا ًء خاصة بهما ،يستعيدها كل منهما
حسب نفسيته وشخصيته. خارقة للعادة تؤهلهم لمعرفة المستقبل.
لذلك شكلت ذاكرة كل منهما معالم بلد الهجرة
بكل علاماته ومعانيه ،فبقيت ضبابية استوكهولم