Page 116 - merit 39 feb 2022
P. 116

‫العـدد ‪38‬‬       ‫‪114‬‬

                                                    ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬  ‫لنا عبد الرحمن‬

                                                                       ‫(لبنان‪ -‬مصر)‬

                 ‫عما نتحدث‬
‫إن لم نتحدث عن الكتابة!‬

‫يجعلنا نندفع في لحظة ما لخط الكلمات بجنون لإيماننا‬      ‫تبدو الكتابة في كثير من الأحيان قفزة سريعة‬

    ‫أن ما نكتبه يجب أن ُيكتب وإلا سوف يتلاشى في‬        ‫وغير متوقعة من العدم نحو الوجود‪ ،‬فالنص الذي‬
         ‫العدم‪ ،‬وعلينا إنقاذه واكتشاف ما يود قوله‪.‬‬   ‫يلمع فجأة داخل روح الكاتب ينتقل من حيزه الداخلي‬
                                                     ‫المرتبط بالعدم واحتمال التلاشي مثل ملايين الأفكار‪،‬‬
 ‫هذا الوهم يخصني وحدي‪ ،‬لأني من سأكتب الحكاية‪،‬‬         ‫إلى وجود ملموس على الورق أو في جهاز الكمبيوتر‪،‬‬
                                ‫لذا عليَّ تصديقه‪.‬‬
                                                        ‫هكذا يكون الكاتب خال ًقا لهؤلاء الأبطال والكائنات‬
      ‫أفكر بأسلوب تراجيدي أحيا ًنا‪ ،‬أني سأفتح باب‬        ‫الأخرى التي ترافقه لوقت طويل نسبيًّا هو مقدار‬
  ‫الحديقة ذات يوم‪ ،‬وأجد جثة رجل مجهول لا أعرفه‪،‬‬      ‫حياتهم الممتدة‪ ،‬ضمن التزامه لاستكمال هذه الحيوات‬
‫قتيل ممدد على الأرض‪ ،‬ويكون عليَّ إثبات عدم معرفتي‬     ‫(النصوص)‪ .‬ربما من أجل هذا تأخذنا الحاجة المؤلمة‬
                                                          ‫للكتابة‪ ،‬كي نعيش مع آخرين نعرفهم جي ًدا‪ ،‬ولا‬
  ‫بسبب قتله ووجوده في حديقتي‪ ..‬ماذا سأفعل بجثة‬      ‫نستطيع مواصلة الحياة وهم يسكنون داخلنا‪ ،‬لذا علينا‬

‫مجهولة موجودة في حديقتي‪ .‬هذا الخيال الذي يلهمني‬             ‫التخلص منهم بشكل مستمر‪ ،‬فيصير للكاتب‬
                                                               ‫عدة شخصيات في وقت واحد‪ ،‬هو الطاهي‬
 ‫قصة «شقة رقم ‪ ،»6‬امرأة تدخل إلى شقتها المهجورة‬
                                                            ‫والرحالة والمكتشف‪ ،‬الطبيب والحداد والبحار‬
                                                           ‫والممثل‪ ..‬إلخ‪ .‬تأخذنا الكتابة لعوالم لا نعرفها‪،‬‬

                                                               ‫ونرتحل معها لبلدان غريبة‪ ،‬نلتقي بوجوه‬
                                                               ‫مجهولة‪ ،‬ونبكي أحيا ًنا من شدة بؤسنا أو‬

                                                                                  ‫إحساسنا بالضياع‪.‬‬
                                                                           ‫***‬
                                                              ‫ماذا تكون الكتابة سوى تلك الحاجة الملحة‬
                                                              ‫للتآخي معها‪ ،‬والاستسلام لها‪ ،‬لتصير هي‬
                                                              ‫نحن‪ ،‬ونكون الوسيلة الوحيدة لعيش حياة‬
                                                          ‫الكتابة عبرنا‪ ،‬والرضا بوجود ذاك الإيهام الذي‬
   111   112   113   114   115   116   117   118   119   120   121