Page 244 - merit 39 feb 2022
P. 244

‫العـدد ‪38‬‬                            ‫‪242‬‬

                                    ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬

 ‫“غني عن البيان أن أبنية موطننا‬       ‫تبناه وحرص على إيفاد البعثات‬           ‫برئاسة رفاعة الطهطاوي رأت‬
     ‫العزيز مدينة القاهرة ليست‬         ‫للجزيرة العربية لجلب الخيول‬         ‫الابقاء على بعض المدارس‪ ،‬ووزع‬
       ‫على الطراز الحديث ‪-‬وهذا‬      ‫الأصيلة‪ ،‬ومعظم سلالات الخيول‬           ‫عدد من طلاب مدرسة الطب على‬
       ‫يعنى أن عباس أراد تشيد‬          ‫العربية في العالم الآن تعود له‪،‬‬     ‫مدرسة الزراعة والطب البيطري‪،‬‬
     ‫مساكن العباسية على الطراز‬      ‫حيث كان أول من قنن جذور هذه‬
                                     ‫الخيول في سجلات ورباها طب ًقا‬           ‫أما المدارس الابتدائية فقد رأت‬
    ‫الرومي أو الأوروبي الذي بدأ‬                                                ‫اللجنة الاكتفاء منها بخمسة‪:‬‬
    ‫يشيع في مصر‪ -‬وأن المساكن‬                       ‫للأصول المرعية‪.‬‬
   ‫الموجودة فيها قديمة ومشرفة‬               ‫امتلك عباس حلمي الأول‬         ‫واحدة منها في القاهرة والباقي في‬
    ‫على الخراب‪ ،‬وحيث إن البلاد‬        ‫مشرو ًعا حداثيًّا فلم يكن منغل ًقا‬   ‫الأقاليم‪ ،‬على ألا يزيد عدد طلابها‬
                                       ‫على نفسه‪ ،‬لذا لأول مرة يشيد‬          ‫عن ‪ 780‬طالبًا بعد أن كانت ‪67‬‬
       ‫وما حواليها والحمد لله في‬    ‫امتداد لمدينة القاهرة في الصحراء‬      ‫مدرسة قبل عام ‪ 1836‬وقد وافق‬
    ‫أمن وأمان وأمراؤها كلهم من‬            ‫على الطراز الأوروبي ساب ًقا‬     ‫محمد علي على تلك القرارات في ‪4‬‬
   ‫أصحاب الثروة واليسار‪ ،‬وهنا‬         ‫الخديو إسماعيل في ذلك‪ ،‬أثبتت‬
  ‫يشير إلى الاستقرار الذي حدث‬          ‫الحوادث ومجريات الأمور بعد‬                          ‫يناير ‪.)1(1842‬‬
     ‫في مصر بد ًءا من العام ‪1811‬‬    ‫عصر عباس ُبع َد نظره‪ ،‬حين أقام‬            ‫تميز عهد عباس حلمي الأول‬
  ‫حين نجح محمد علي في القضاء‬         ‫قص ًرا له في صحراء الحصوة أو‬            ‫باستباب الأمن في ربوع مصر‬
   ‫تدريجيًّا على خصومه‪ ،‬وبالتالي‬      ‫الريدانية‪ ،‬ولم يكن قصر عباس‬         ‫وهو ما انعكس على أداء الاقتصاد‬
  ‫درء الاضطرابات المستمرة التي‬        ‫مكا ًنا منفيًّا بالصحراء‪ ،‬بل شيد‬         ‫المصري وظهر جليًّا أي ًضا في‬
  ‫كانت تسود القاهرة‪ ،‬وحيث إن‬            ‫في منطقة تعد امتدا ًدا عمرانيًّا‬        ‫عصر سعيد باشا من بعده‪،‬‬
 ‫صحراء الحصوة ممتازة بجودة‬              ‫طبيعيًّا للعاصمة‪ ،‬حيث انتهت‬         ‫ويعود ذلك إلى سياسة بدأت في‬
     ‫هوائها‪ ،‬فيجب في هذه الحالة‬          ‫قرافة المماليك‪ ،‬بل دخلت قبة‬      ‫عهد محمد علي واستمرت في عهد‬
  ‫إقامة العمارة بها‪ ،‬والإقامة فيها‬  ‫العادل طومان باي ضمنه‪ ،‬فض ًل‬          ‫عباس حلمي الأول بقوة‪ ،‬إذ قدمت‬
   ‫والاستفادة والتمتع من بهائها‬          ‫عن قربه من منطقتي الظاهر‬              ‫الحوافز للبدو لتوطينهم عبر‬
   ‫‪-‬الطقس الجيد هنا أحد أسباب‬           ‫وباب الشعرية‪ ،‬وهما الامتداد‬          ‫منحهم مساحات من الأراضي‬
  ‫رغبة عباس في إقامته هذا الحي‬        ‫الشمالي للمدينة‪ ،‬وصحب إنشاء‬           ‫لزراعتها مما أدى لاستقرارهم‪،‬‬
 ‫السكني‪ -‬لهذا قد صدرت إرادتنا‬          ‫قصر عباس تشييد حي سكني‬               ‫وبدأت حياة الحضر تدب فيهم‪،‬‬
  ‫بعد عودتنا من الأستانة لوضع‬          ‫جديد‪ُ ،‬عرف بالعباسية‪ ،‬وزعت‬              ‫وكان عباس حلمي جز ًءا من‬
                                    ‫أراضيه على أعيان مصر وأثريائها‬         ‫هذه السياسة التي أدت إلى نتائج‬
       ‫خطة وافية لهذه الصحراء‬       ‫وأفراد الأسرة المالكة‪ ،‬ويتضح من‬            ‫ايجابية فتحول البدو لحلفاء‬
        ‫وتقسيمها قط ًعا أساسية‬         ‫المصادر التاريخية أن العباسية‬      ‫للدولة والأسرة العلوية مما ساهم‬
‫وتوزيعها على أمراء وذوات مصر‬             ‫خططت كحي سكني حديث‪،‬‬                 ‫في تأمين الطرق أي ًضا‪ ،‬خاصة‬
     ‫ليبني كل واحد قص ًرا فخ ًما‬     ‫كان عباس قد أصدر أم ًرا في ‪27‬‬        ‫الطريق من القاهرة للسويس الذي‬
 ‫لنفسه»(‪ .)2‬ويؤكد باقي الأمر على‬        ‫جمادي الآخرة ‪1265‬هـ‪20/‬‬             ‫كانت تنقل عبره التجارة الدولية‬
‫عدم التزام الأمراء والذوات بالبناء‬     ‫مايو ‪1849‬م إلى رئيس مجلس‬              ‫الآتية من الإسكندرية فالقاهرة‬
  ‫في العباسية إلا عدد قليل منهم‪،‬‬           ‫الأحكام بسرعة تنفيذ هذا‬              ‫فالسويس‪ ،‬وهذا يفسر بناء‬
      ‫وشدد عليهم بسرعة البناء‪.‬‬        ‫المشروع لتعمير مدينة القاهرة‪،‬‬          ‫عباس قصر الدار البيضاء على‬
  ‫والأمر يكشف عن تحول خطير‬             ‫وحث رجال الدولة على سرعة‬             ‫أول طريق السويس من القاهرة‬
‫في توجهات الدولة تجاه السياسة‬       ‫البناء ووضع عقوبات على عدم أو‬             ‫والذي عبره أ َّمن بدو صحراء‬
  ‫العمرانية‪ ،‬وبدأ تدخلها بصورة‬       ‫تأخر التنفيذ‪ ،‬ونص هذه الإرادة‪:‬‬         ‫السويس فجعلهم يحرسون هذا‬
    ‫مباشرة في التخطيط العمراني‬                                            ‫الطريق‪ ،‬كانت علاقة عباس بالبدو‬
     ‫للمدينة‪ ،‬بل وإلزامها السكان‬                                           ‫سببًا في حبه للخيل العربي الذي‬
   239   240   241   242   243   244   245   246   247   248   249