Page 30 - merit 39 feb 2022
P. 30

‫العـدد ‪38‬‬   ‫‪28‬‬

                                                   ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬

‫د‪.‬طارق منصور*‬

‫تضافر التاريخي والسياسي‬
‫والاجتماعي في القصة القصيرة‬
‫مجموعة «نبوءة» نموذ ًجا‬

‫لقد نجح المؤلف في تصوير هذه المأساة ليس بأدوات كاتب‬
‫فحسب‪ ،‬بل بتكنيك مخرج متمرس على فن الإخراج‪ ،‬بصورة تجعل‬
‫القارئ يرى كل دقيقة من دقائق المشهد‪ ،‬بل لا أبالغ حين أقول إنني‬
‫رأيت نظرات البطلة التي تتفرس ما حولها‪ ،‬عسى أن يكون هناك‬
‫من ينقذها من تلك الهلكة‪ ،‬وسمعت صراخها وهم يجذبونها خارج‬
‫القصر بعنف مفرط دون رحمة‪ ،‬وتابعت الحالة النفسية لها عن‬
‫كثب‪ ،‬كما صورها المؤلف‪.‬‬

 ‫صفحات‪ .‬وكل قصة من تلك القصص ربما تحتاج‬                ‫في مجموعته القصصية «نبوءة» يتناول سيد‬
     ‫إلى التفكر والتأمل في مغزاها‪ ،‬من حيث ماهية‬
    ‫الأفكار التي يطرحها المؤلف في كل منها ‪-‬رغم‬        ‫جعيتم ستًّا وثلاثين قصة يطغى عليها الطابعين‬
                                                      ‫الاجتماعي والسياسي‪ ،‬وإن شئنا نقول إنها من‬
   ‫قصر النص‪ -‬والتي تجعل المرء يقف حائ ًرا أمام‬     ‫فئة السيسيو‪ -‬بوليتيك ‪ ،Socio- politique‬صال‬
        ‫النص أحيا ًنا‪ ،‬هل يقصد المؤلف كذا أم كذا‪.‬‬      ‫فيها المؤلف وجال بين جنبات المجتمع مش ِّر ًحا‬
                                                    ‫إياه بمشرط جراح ماهر يعرف أين يضع مشرطه‬
     ‫ومن الصعوبة بمكان أن نجد أن الكاتب وضع‬        ‫تحدي ًدا‪ ،‬وكيف سيعالج القضية وينتهي منها بخفة‬
  ‫فكرة أو جملة في غير موضعها‪ ،‬أو أساء توظيفها‬         ‫ومهارة تحسب له‪ ،‬مراعيًا كافة الأبعاد النفسية‬
  ‫أو أخل بالبناء‪ ،‬ومن هنا جاءت الأفكار متسلسلة‬     ‫والاجتماعية‪ ،‬مبر ًزا الشخصيات الأساسية‪ ،‬مق ًّل في‬

     ‫ومترابطة بدقة شديدة‪ ،‬فخرج نص كل واحدة‬                         ‫الشخصيات الثانوية إلى حد كبير‪.‬‬
   ‫من قصصه كأيقونة متفردة من الجمال اللغوي‬              ‫ومنذ قراءتي الأولى لهذه المجموعة وقفت على‬
    ‫والفني والإبداعي؛ كما زين نصوصه بعدد من‬         ‫خبرة الكاتب الواضحة في تناول النص القصصي‬
‫الصور الجمالية التي يمكن اعتبارها نم ًطا من أنماط‬    ‫القصير بعناصره الدقيقة‪ ،‬فهو يعي تما ًما أدوات‬
   ‫قصيدة النثر‪ ،‬واستخدم أي ًضا ‪-‬عن عمد‪ -‬بعض‬            ‫القصة القصيرة‪ ،‬من حيث الفكرة أو الموضوع‪،‬‬
   ‫المفردات اللغوية الغائبة عنا ليزين بها نصوصه‪،‬‬          ‫الشخصيات‪ ،‬الحبكة والعرض‪ ،‬رأي الكاتب‪،‬‬
 ‫كما في قصة «حزن السرحانة»‪ ،‬والتي يقصد منها‬        ‫الأسلوب‪ ،‬الخاتمة؛ ومعظمها تراوح ما بين صفحة‬
  ‫حزن أنثى الذئب؛ وكذلك عدة أشكال من التورية‬            ‫أو صفحتين في الأغلب‪ ،‬وأحيا ًنا ثلاث أو أربع‬
  ‫الذكية في إشاراتها أو مغزاها سواء الاجتماعي أم‬
 ‫السياسي‪ .‬وفيما يخص عناوين القصص‪ ،‬فقد جاء‬
   25   26   27   28   29   30   31   32   33   34   35