Page 34 - merit 39 feb 2022
P. 34
العـدد 38 32
فبراير ٢٠٢2
تكاليف إقامتها ،لينتهي بها المطاف إلى ذات القصر والتنسيق مع الشرطة ليقيد المحضر ضد سرسوعة
متخفية لتأويها المربية في غرفتها ،وترحل عن دنياها التي تجبرت ونهشت الطفل بأنيابها ،لينعم الجبار
وسيده بالحياة على أجساد الآخرين.
في ذات اللحظة التي يرحل فيها أخوها عن دنياه وفي ذات الإطار السياسي يعرج المؤلف لقصة
أي ًضا .وخرج النعشان ،وهو المشهد الذي بدأ بهما المجند سليمان خاطر من خلال قصة «انعكسات
القصة ،في وقت واحد ليلقى كل منهما ربه ،فذاك مظلمة» حيث يتناولها عبر قصة شاب من
خرج ومعه كتاب أسود ،وتلك خرجت ببراءة الأطفال شبابنا التائه البائس الذي يرتمي في أحضان فتاة
ومعها كتاب ناصع البياض ،تاركين المال لدنياهم. إسرائيلية بأحد فنادق طابا ،في حين أن سليمان
لقد نجح المؤلف في تصوير هذه المأساة ليس بأدوات خاطر يقف لهم بالمرصاد للزود عن الوطن ولا
كاتب فحسب ،بل بتكنيك مخرج متمرس على فن يستجيب لإغراءاتهم ،وحين تحولوا لإهانة الوطن
الإخراج ،بصورة تجعل القارئ يرى كل دقيقة من قام بفتح النار عليهم ليرديهم قتلى في الحال ،في
حين يشهد الآخر الموقف من النافذة ،ثم يعود إلى
دقائق المشهد ،بل لا أبالغ حين أقول إنني رأيت أحضان فتاته المدسوسة عليه لتنقل إليه المرض
نظرات البطلة التي تتفرس ما حولها ،عسى أن يكون فيفت في عضده ،وربما انتقل منه لبقية المصريين.
لتنتهي حياة الاثنين ،سليمان خاطر الذي اختار
هناك من ينقذها من تلك الهلكة ،وسمعت صراخها الشهادة بنفسه ،وسكن أفئدة أهل بلدته ،والآخر
وهم يجذبونها خارج القصر بعنف مفرط دون الذي نبذه القوم وصار عا ًرا عليهم ،قتله الوباء
رحمة ،وتابعت الحالة النفسية لها عن كثب ،كما الإسرائيلي بعد أن أهلك جسده.
صورها المؤلف. أما البعد الاجتماعي the social dimension
وآخر نموذج أتناوله على عجل في إطار البعد في هذه المجموعة فهو أكثر من أن يعالج في عدة
الاجتماعي لهذه المجموعة حين طرق المؤلف باب أسطر هنا ،بل يحتاج إلى دراسة مستقلة ،للوقوف
على بواطنه ومناطق الإبداع في نصوصه ،وروعة
التحول الجنسي وموقف المجتمع من المتحول ،من الكاتب في تناول بعض الظواهر والآفات المجتمعية؛
خلال قصة «السجين» الذي صرخ قائ ًل« :لست ورغم هذا لا أستطيع أن أنهي هذه الأوراق دون
شا ًّذا ولا رج ًسا من عمل الشيطان ،أريد التصحيح لا الإشارة إلى ثلاث من أبدع القصص ومنها قصة
التغيير في خلق الله» .وبهذا يوجز لنا المؤلف قضية
تصحيح النوع عند بعض البشر ممن اضطربت «حزن السرحانة» ،التي عمد فيها المؤلف إلى أنسنة
هرمونات النوع لديهم فغيرت سماتهم الجنسية الحيوان ،حيث صور فيها كيف أن عالم الحيوان
-عن غير إرادة -ورغم هذا فقد دفع المجتمع بطل أكثر وفاء من الإنسان ،كما جاء في نهاية القصة
القصة البائس إلى البؤس ذاته حين تخلص بنفسه
من الرباط الذي يربطه بالذكورة ،فنزف ،فأودع على لسان السارد ،من خلال ذئبة أهلكها الحزن على
وفاة زوجها الذئب ،فظلت تعوي حتى ألقت بنفسها
مستشفى الأمراض العقلية جراء ما فعل.
أخي ًرا ،يمكنني القول إن المؤلف نجح في مجموعته من فوق الجبل ،بعد أن اطمأنت على دفن جثمانه،
فتلحق به وفا ًء له.
القصصية أن يأخذ القارئ ويحلق به في سماء
الإبداع ،وأن يدفع إليه بفكرة تلو الأخرى ،كل وفي قصة «حكمتك يارب» تتجسد التراجيديا
منها تعالج قضية من قضايا المجتمع المهمة سواء الإغريقية بكل عناصرها في نص مؤلم للغاية ،يذكر
سياسية أم اجتماعية. فيه المؤلف الإنسان بأن الحياة زائلة ،وأن المال
ورغم هذه السطور القليلة فإنه يمكن قول الكثير عن لا يوازي حب الأخ لأخيه ،من خلال قصة الأخ
المساحات الإبداعية للكاتب ،والتي تؤكد لنا أن القصة الذي غدر بأخته وأودعها المصحة النفسية ليلتهم
القصيرة لا تزال بخير طالما أن هناك من ينتهج نهج ميراثها ،فيسلط الله عليه المرض ،ويسقط بجلطة
دماغية ،في حين طردت أخته من المصحة لعدم دفع
السيد جعيتم
------
* أستاذ التاريخ بكلية الآداب جامعة عين شمس.