Page 37 - merit 39 feb 2022
P. 37

‫‪35‬‬                 ‫إبداع ومبدعون‬

                   ‫رؤى نقدية‬

                                                               ‫يدعو إذا ما الليل أطبق فوقه‬

                                                               ‫موج الدياجر‪ ،‬دعوة الغرقان‬

                                                               ‫ثم يقول فيها أي ًضا‪:‬‬
                                                               ‫ما ضر من غنى بمثل غنائه‬

                                                               ‫أن ليس يبطش بطشة العقبان‬

                                                               ‫إن المزايا في الحياة كثيرة‬
                                                               ‫الخوف فيها وال َّسطا ِسيَّان‬
                                                               ‫إلى أن يختمها بقوله ُمناجيًا‬

                                                                      ‫إياه‪ُ ،‬مشي ًدا بدعائه‪:‬‬
                                                               ‫يا ُمحيي الليل البهيم تهج ًدا‬

                                                                  ‫والطير آوية إلى الأوكان‬

                                                               ‫يحدو الكواكب وهو أخفى‬

                                                               ‫موض ًعا‬
                                                               ‫من نابغ في غمرة النسيان‬

                                                               ‫ق ْل يا شبيه النابغين إذا دعوا‬

‫عباس محمود العقاد‬  ‫طه حسين‬        ‫صلاح عبد الصبور‬              ‫والجهل يضرب حولهم بجران‬
                                                               ‫كم صيحة لك في الظلام كأنها‬

                                                               ‫دقات صدر لل َّدجنَّة حان‬
                                                               ‫هن اللغات ولا لغات سوى التي‬
‫الليل بالرعاية بين لحظة ولحظة‪ ،‬وينطلق بالغناء‬
                                                                                      ‫ُرفعت بهن عقيرة الوجدان‬
    ‫في مفاجاة منتظرة أو انتظار مفاجئ فلا تدري‬                                        ‫إن لم تقيدها الحروف فإنها‬
   ‫أهي صيحة جذل أم هي صيحة روعة وإجفال‪،‬‬
  ‫ولكنك تشعر بالجذل والروعة والاجفال تتقارب‬                                            ‫كالوحي ناطقة بكل لسان‬
   ‫وتتمازج في نفسك حتى لا تتفرق‪ ،‬كأنك تصغي‬                                        ‫أغنى الكلام عن المقاطع واللُّغى‬
   ‫إلى طفل يرتاع وهو جذلان ويجذل وهو مرتاع!‬
‫ويطلب الخطر ويشتهيه لأن للخطر في حسه طرافة‬                                           ‫بث الحزين وفرحة الجذلان‬
 ‫وحركة‪ ،‬فهو من عالم التفاؤل والإقبال لا من عالم‬                                          ‫(هدية الكروان‪ ،‬ص‪.)5‬‬

                            ‫التشاؤم والنكوص‪.‬‬                   ‫وأودعتها الجزء الأول من ديوانى‪ .‬ثم أعادني طائف‬
‫ويطلع عليك بهتافه من هنا ومن هناك‪ ،‬وعن اليمين‬                     ‫من طوائف النفس إلى النظم فيه فاجتمعت عندي‬
                                                                    ‫قصائد عدة في مناجاته‪ .‬وكأننى كنت أعارضه‬
  ‫وعن الشمال‪ ،‬وعلى الأرض وفوق الذرى‪ ،‬فيخيل‬
 ‫إليك أنك تستمع إلى روح هائم لا يقيده المكان ولا‬                ‫وأساجله بكثير من القصائد الأخرى التي اشتملت‬
                                                                     ‫عليها هذه المجموعة‪ ،‬فص َّح على هذا المعنى أن‬
     ‫يعرف المسافة‪ ،‬أطلقوه في الدنيا على حين غرة‬                              ‫ُيسمى الديوان كله «هدية الكروان»‪.‬‬
   ‫فسحرته فتنة الدنيا وخلبته محاسن الليل‪ ،‬فهو‬
  ‫لا يعرف القرار ولا يصبر في مطار‪ .‬فأنت تتلقى‬                  ‫ثم يقول‪ :‬ولوصف الكروان وشرح طباعه ومشاربه‬
 ‫من صوت هذا الطائر الأليف النافر عالمًا من معان‬                     ‫مقام آخر غير هذا المقام‪ .‬فأما غناؤه فقد تقال‬

                   ‫وأشجان يتجاوب فيها تقديس المصلي القانت‬        ‫فيه كلمة هنا؛ لأننا نتكلم عما فيه من شعر يوحي‬
                                                                ‫الشعر‪ ،‬فليس أصلح لهذا الكلام من صدر الديوان‪.‬‬

                   ‫وحدب الحارس الأمين وروح الطفولة ومناجاة‬     ‫ثم يقول‪ :‬تسمعه الفينة بعد الفينة في جنح الليل‬

                                                               ‫الساكن النائم البعيد القرار‪ ،‬فيشبه لك الزاهد‬
                   ‫المتهجد الذي يرفع صوته بالتسبيح والابتهال فترة الخطر المقبول وهيام الروح المنهوم بالحياة‬

                   ‫والجمال‪ :‬عالم لا نظير له فيما نسمع من غناء‬  ‫بعد فترة‪ ،‬ويسبه لك الحارس الساهر الذي يتعهد‬
   32   33   34   35   36   37   38   39   40   41   42