Page 36 - merit 39 feb 2022
P. 36
العـدد 38 34
فبراير ٢٠٢2
وقد جذبت هذه الصفات التي تميز بها هذا الطائر مصر والسودان وأثيوبيا ،وهو يصغر في الحجم
الفنان انتباه الشعراء والفنانين والأدباء إليه، عن النوع السابق ،كما تضع أنثاه بيضة واحدة بد ًل
فأنسوا لصوته واستمتعوا بنغماته وتاثروا بها، من اثنتين بالنسبة للنوع السابق.
وألهمتهم الكثير من فنون التعبير التي صيروها ولهذا الطائر تغريد موسيقي جميل ،ذو نغمة
شع ًرا جمي ًل ونث ًرا مؤث ًرا ،وكان على رأس من تأثر خاصة مميزة إلى حد كبير ،خاصة حينما ينطلق
من أدبائنا بهذا الطائر كل من الرائدين العقاد وطه في هدأة الليل وسكونه المهيب ،فهو يبدأ تغريده
كالعازف الماهر بصناعته ،العارف لأسرارها،
حسين. بنغمات تبدأ خفيفة خفيضة ،ثم لا تلبث أن ترتفع
وقد ضع العقاد ديوانه السادس بعنوان «هدية نبراتها ،وتزداد سرعتها روي ًدا روي ًدا ،ثم تتلاشى
الكروان» سنة ،1933ثم بين لنا قصة ولادة هذا بعد ذلك شيئًا فشيئًا ،حينما ينزل مرفر ًفا بجناحيه.
الديوان و ِسر تسميته هذا الاسم في مقدمته ،حيث ولها فقد جذب إليه الشعراء والأدباء والفنانين،
يقول :كان الربيع وتلاه الصيف ،وكانت لياليهما واستوحوا من نداءاته الموسيقية المتميزة شع ًرا
السواحر الحسان ،وكان هتاف الكروان الذي لا وأد ًبا وفنًا جمي ًل ،يروق للكثيرين عذوبته وتفرده
ينقطع من الربيع إلى الخريف ،ولا يزال يتردد حتى لاسيما حينما يقرنونه بذكرياتهم حين سماع
يسكته الشتاء .وأكثر ما يسمعه السامع في حوافي
مصر الجديدة حيث أسكن وحيث يكثر هذا الطائر أصواته العذبة الشجية.
الغريب ،لأنه يألف أطراف الصحاري على مقربة
من الزرع والماء ،كأنه صاحب صومعة من تلك هدية الكروان
الصوامع التي يسكنها الزهاد بين الصحراء والنيل،
وها هو الأستاذ عباس العقاد يصف الكروا َن في
فله من مصر الجديدة مرتاد محبوب( .هدية مقدمة ديوانه عنه بعنوان «هدية الكروان» بصفاته
الكروان ،ص)5
الطبيعية التي تميزه ،ثم يصفه في كتابه «ردود
وإذا كان لنا من تعليق فهو حول الوصف الدقيق وحدود» بما ينطبع في نفسه عنه من تصورات
لهذا الطائر مما أورده الأستاذ من خلال المعلومات فيقول :طائر الليل .طائر العزلة .طائر الصحراء.
طائر الصيحة التي فيها من البشرى وفيها من
البيولوجية والإيكولوجية الصحيحة ،حتى أنه
في نهاية الديوان وتحت عنوان «كلمة شكر» ،لم التبريح وفيها من التسبيح.
ينس وهو يشكر الفنان رمسيس يونان على لوحته ثم يتساءل:
التي ز َّين بها غلاف الديوان أن يعقب بقوله :وقد
ارتضيت رسم الكروان بمنقاره الدقيق الطويل -تعني الكروان؟!
على أنه تصرف تسوغه الزخرفة كما تسوغ تدقيق ويجيب:
الحروف الكتابية وتطويلها». -نعم ،إياه أعني ،وهو صامت الآن! (فقد كتب
ثم يأتي بملاحظته حول منقار الكروان الذي يعهده العقاد هذا المقال في فصل الشتاء ،حيث يقل نشاط
فيقول« :أما الكروان الذي يقيم في مصر فله منقار
الطائر ،وإطلاقه لأصواته المعهودة).
يخالف هذا المنقار»( .هدية الكروان ،ص)156 ثم يتابع قوله« :صامت منذ أشهر لا تسمع له
ثم أنشأ يقول في مقدمته :ولي بالكروان ألفة من من وراء الأفق تلك الصيحة التي كأنها نصل من
قديم الأيام ،نظمت فيه القصيدة النونية التي أقول اللحن يشق ست ًرا من السكون ،أو كأنها عقيقة من
البرق تنفتح في سدفة من الظلام ،أو كأنها نفثة من
في مطلعها: الجوى تندفع في هدأة من الصبر الطويل .وكأنما
هل يسمعون سوى صدى الكروان سكون ليل الشتاء في هذه الآونة الموحشة إصغاء
مرهف وحنين مكتوم إلى ذلك الصوت المغيب الذي
صو ًتا يرفرف في الهزيع الثاني
من كل سار في الظلام كأنه سيطول غيابه ،وسيعود!».
بعض الظلامَ ،تضله العينان