Page 33 - merit 39 feb 2022
P. 33

‫‪31‬‬         ‫إبداع ومبدعون‬

           ‫رؤى نقدية‬

‫سيد جعيتم‬                 ‫سليمان خاطر‬                  ‫سجينة رأي»‪ .‬ويبدو أن المؤلف ليس لديه أمل في‬
                                                     ‫تغير الحال‪ ،‬حيث تنبأ أن الوضع سيستمر للألفية‬
‫أما قصة «ملهاة سرسوعة» فهي قصة الظلم الذي‬             ‫الثالثة أي ًضا‪ ،‬فتقرر سوسو نار أن من سيخرجها‬
‫قد يصيب القوم فيحصرهم في حفرة من حفر الدنيا‬
                                                            ‫من القمقم في تلك الألفية ستسخطه حما ًرا‪.‬‬
  ‫فيصبحوا عبي ًدا للسلطان (العمدة هنا) لا يملكون‬         ‫وفي قصة «الحياة داخل الحذاء» نقابل حوا ًرا‬
   ‫القوة ‪-‬رهبة وخو ًفا‪ -‬لمجابهته أو معارضته؛ بل‬      ‫ساخ ًرا‪ ،‬نادر أن نلقاه بين الحذاء وصاحبه‪ ،‬لتعكس‬
                                                     ‫لنا هذه القصة رؤية المؤلف لثورة ‪ 25‬يناير ‪2011‬‬
     ‫إن سرسوعة كلبة عبد الهادي الك َّلف أصابها‬       ‫وما آلت إليه‪ ،‬ففي الوقت الذي يقرر صاحب الحذاء‬
     ‫الهزال من شدة الظلم والفقر ونسيت أنها من‬             ‫التخلص منه بإلقائه في أقرب صندوق قمامة‪،‬‬
 ‫فصيل الكلاب‪ ،‬فصارت تتقوت مع الفئران والقطط‬           ‫يحاول الحذاء أن يذكر صاحبه بالفارق بينه وبين‬
    ‫ما تبقى من طعامهم‪ .‬وذات يوم حين ذهب عبد‬          ‫والده الذي كان يحنو على حذائه (ال ُبلغة) ولا يهينه‬
‫الهادي ذو الكبد العليل بسبب البلهارسيا إلى الترعة‬     ‫في الوحل ويسعى إلى حمايته‪ ،‬كما يذكره بأنه هو‬
  ‫ليحمم جاموسة العمدة‪ ،‬فإذا بكلب العمدة «جبار»‬          ‫من رافقه في الميدان‪ ،‬وكم تساقطت حبات الفول‬
‫يرهب المارة وينهش أحد أطفال القرية‪ ،‬وحين يؤثر‬         ‫عليه من السندوتشات التي كان يلتهما في الميدان‪،‬‬
 ‫القوم الانزواء خو ًفا على أنفسهم من بطش الجبار‪،‬‬     ‫وكان ينحني ليلتقط حبات الفول تلك من فوق رأس‬
‫تخرج سرسوعة الهزيلة عن ناموسها‪ ،‬متحاملة على‬              ‫حذائه ليعيد التهامها‪ ،‬مذك ًرا إياه أنه شهد كيف‬
 ‫نفسها‪ ،‬وتنبح بكل ما أوتيت من قوة لتنهي الجبار‬            ‫اتهموا بأنهم كانوا يأكلون وجبات من كنتاكي‬
‫عن ظلمه‪ ،‬فما كان من الأخير إ َّل أن نهشها وقضى‬       ‫وماك بيرجر وغيرها‪ .‬تدور القصة في قالب ساخر‬
‫عليها‪ .‬وهنا يقرر عبد الهادي الك َّلف أن يحذو حذو‬        ‫وكأن الاثنان يذكران بعضهما البعض بما حدث‬
   ‫سرسوعه ليثأر لكلبته الجريئة‪ ،‬فيترك جاموسة‬          ‫في ثورة ‪ 25‬يناير‪ ،‬التي لم يصرح المؤلف باسمها‪،‬‬
     ‫العمدة تواجه مصيرها في الماء‪ ،‬ويخرج ليصد‬        ‫لينتهي بها الأمر إلى قاع التاريخ مثلما انتهى الأمر‬
    ‫الجبار‪ ،‬الذي ارتعد وفر هار ًبا أمام عبد الهادي‪.‬‬      ‫بالحذاء إلى أقرب صندوق قمامة بعد أن انتعل‬
‫وفي الوقت الذي تجرأ فيه عبد الهادي على فعل ذلك‬        ‫صاحبه حذا ًء جدي ًدا‪ ،‬رغم أن الحذاء القديم توسل‬
  ‫والوقوف في وجه السلطان‪ ،‬تم إلقاء القبض عليه‪،‬‬          ‫إليه أن ينظفه ويتركه عند باب أحد دور العبادة‬

                                                                    ‫عسى أن يجد من يقدره ويصونه‪.‬‬
                                                      ‫وفي قصة «نوبة رجوع صحيان» يكشف المؤلف‬

                                                         ‫عن رؤيته لما حدث في نكسة ‪1967‬م ‪-‬دون أن‬
                                                         ‫يصرح بذكرها كعادته‪ -‬على لسان أحد الشبان‬
                                                      ‫الذين تم استدعاؤهم للحرب‪ ،‬ولم يمر على زواجه‬
                                                      ‫سوى بضعة أشهر‪ ،‬فترك زوجته الحامل في طفلة‬
                                                       ‫وذهب إلى الميدان لقتال العدو والزود عن الوطن‪،‬‬
                                                       ‫ويأتي على لسان الراوي قوله‪« :‬لم نحارب‪ ،‬لم أر‬
                                                     ‫جنود العدو»‪ ،‬فيلخص هنا الكاتب رؤيته أن الجيش‬
                                                     ‫المصري لم يحارب في ‪ 67‬كي ُيهزم‪ ،‬واس ُتشهد من‬
                                                     ‫اس ُتشهد‪ ،‬بمن فيهم راوي القصة الذي ختم القصة‬
                                                      ‫بقوله‪« :‬ريح الفردوس تهدد روحي‪ ،‬رائحة المسك‬
                                                      ‫تفوح من أجساد من تقدموا الصف‪ُ ،‬دفنا في أرض‬
                                                      ‫الميدان ولم ُنغسل‪ ،‬أقف مع رفقائي ممس ًكا بكتابي‬

                                                                           ‫منتظ ًرا أن يفتح لنا الباب»‪.‬‬
   28   29   30   31   32   33   34   35   36   37   38