Page 43 - merit 40 apr 2022
P. 43

‫‪41‬‬           ‫إبداع ومبدعون‬

             ‫رؤى نقدية‬

‫مارتن هيدجر‬  ‫آي‪ .‬إيه‪ .‬ريتشاردز‬                               ‫الإنسان إليها‪ ،‬والتلاقح المتعلق بالعقل بالنمو‬
                                                             ‫والنتيجة‪ ،‬لكن التفتح المتعلق بالألسنة فيؤول‬
   ‫على نفسها لتكوين ملمح غيبي آسر جذاب‪ ..‬لقد‬                  ‫بالقدرة على الصناعة والمشاركة في التكوين‪،‬‬
   ‫استخدمت الكلمة في دنيا الأدب ودنيا أبي حيان‬            ‫بالقدرة على تنظيم النمو والحركة‪ ،‬اللسان قرين‬
                                                             ‫اللغة‪ ،‬واللغة بيت الإنسان‪ ،‬ووسيطه والعالم‪.‬‬
     ‫لتسكين الهواجس المضطربة وتخييل قدر من‬                 ‫لا تعير بلاغة التأويل أهمية ‪-‬وفق محاورة مع‬
                           ‫الكبرياء والمناوأة»(‪.)47‬‬    ‫النثر العربي‪ -‬للعلاقات التنظمية المقررة من البلاغة‬
                                                       ‫العربية في استخراج الدلالة‪ ،‬لا تبحث عن وجه شبه‬
   ‫تؤصل المحاورات لبلاغة يسميها ناصف «بلاغة‬             ‫أعرف في المشبه به‪ ،‬بل لا تمايز بين مشبه ومشبه‬
    ‫الثغرة» حين يقول‪« :‬البلاغة المرجوة ثغرة‪ ،‬سر‬         ‫به‪ ،‬الكل في تفاعل وانصهار‪ .‬الطابع الاستعاري في‬
 ‫تأدب‪ ،‬هيبة الإشارة أو استعارة‪ .‬استعارة مغامرة‬            ‫اللغة يساهم في إعادة بناء قضايا إنسانية بروح‬
                                                         ‫من الجدل الفعال‪ .‬تطرح القضايا الإنسانية برؤية‬
                       ‫تدرك أن المأمول بعيد»(‪.)48‬‬      ‫أدبية يمتزج فيها المرح والحس من جهة والعقلي من‬
   ‫اقتران البلاغة هنا بمفهومي الثغرة والسر قرين‬          ‫جهة أخرى‪ ،‬ببنية إشارية نسبية تثقيفية‪ .‬التفاعل‬
   ‫الثورة على الفهم الموروث للبلاغة‪ ،‬باعتبارها فن‬      ‫بين الدوال تفاعل منظم يقر جسدية اللغة‪ ،‬وتحركها‬
 ‫من فنون الاحتجاج‪ ،‬أو الاقناع للمتلقي‪ ،‬أو مراعاة‬       ‫داخل النص بعي ًدا عن سطوة المنطق وضيق البلاغي‬
    ‫حال المخاطبين‪ ،‬ولا مراعاة في بلاغة ناصف إلا‬
  ‫لفاعلية الوجود‪ ،‬وحرص المبدع على فهمه وكشفه‬                                                   ‫الشكلي‪.‬‬
   ‫جليًّا‪ .‬البلاغة الجديدة تمليها طبيعة اللغة الأدبية‬    ‫لا تستبدل البلاغة المروج لها من خلال محاورات‬
                                                        ‫مع النثر العربي الأبنية البلاغية بأبنية مغايرة لها‪،‬‬
     ‫وحيوية الفن ومجابهته‪ ،‬والفن ‪-‬على حد قول‬             ‫لكنها تنظر لها نظرة أخرى‪ ،‬وتعيد ترتيبها ترتيبًا‬
   ‫ناصف‪ -‬لا يبني ولا يثق ثقة واضحة في البناء‪،‬‬           ‫يليق بفهم طبيعة اللغة الأدبية من حيث هي تفاعل‬
‫الكلمات كالحيات والمظاهر الحسية أو شبه الحسية‬
‫موهمة‪ .‬إن الكاتب لا يعتمد على ما يراه وما يسمعه‪.‬‬           ‫الإنسان الناثر مع العالم من الزاوية التي يراها‬
‫فالذي يراه جزء من عالم الحيات تستطيع أن تركبه‬           ‫بحسه وعقله‪ ،‬فيسعى إلى كشفها أو إعادة ترتيبها‬
                                                         ‫وتكوينها‪ ،‬وفي وضوء ذلك توضع الاستعارة على‬
     ‫تركيبات متناقضة‪ ،‬كل شيء يتأول ويصنع‪..‬‬
   ‫الكلمات ليست مستقرة‪ ،‬والكلمات ليست أعرا ًفا‪،‬‬             ‫أعلى درجات السلم البلاغي بقدر ما تحمل من‬
                                                        ‫جدل مع الواقع لا القرب منه‪ ،‬بما تحمل بنيتها من‬

                                                          ‫تفاعل بين طرفين‪ ،‬وهذا فهم مغاير للاستعارات‬
                                                            ‫المستحسنة عند البلاغيين القدامى‪ ،‬حيث كانت‬

                                                        ‫الاستعارة المستحسنة قدي ًما الملائمة لأعراف اللغة‪،‬‬
                                                       ‫وسننها في التعبير‪ ،‬فلا تقبل استعارة ضد ما نطقت‬

                                                            ‫به العرب ومخالفة لعادتها‪ ،‬والتناسب المنطقي‬
                                                          ‫الظاهر بين طرفين(‪ .)46‬لكن ناصف حين يحاور‬
                                                           ‫النثر العربي يستوقفنا؛ لنسمع صوت نصوص‬
                                                       ‫تقوم فاعليتها على حرق العرف‪ ،‬والعبث بالوضوح‪،‬‬
                                                          ‫توضع الكلمات في قدر يغلي‪ ،‬وتنصهر العلاقات‪،‬‬

                                                                                       ‫وتذوب الفوارق‪.‬‬
                                                         ‫اللغة والأبنية البلاغية في المحاورات وجه إنساني‬

                                                             ‫مشكل‪ ،‬لا يركن إلى الوضوح والسهل‪ ،‬يقول‬
                                                         ‫ناصف‪« :‬إن قوة الكلمة بعبارة أخرى هي عكوفها‬
   38   39   40   41   42   43   44   45   46   47   48