Page 45 - merit 40 apr 2022
P. 45

‫‪43‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

‫‪ -5‬بلاغة النثر جماليات البديع من‬                            ‫والنظرية البنيوية وما تبعها من مناهج حداثية‬
    ‫المشابهة إلي توليد المعنى‪:‬‬                         ‫كالأسلوبية والسميولوجية‪ ،‬التي ترى في الاستعارة‬
                                                       ‫شفرة تم تكوينها عن طريق استبدال بعض الكلمات‬
‫تتخطى بلاغة التأويل في محاورات مع النثر العربي‬
 ‫الإطار الشكلي في فهمها لبعض النصوص والأبنية‬              ‫ببعض‪ ،‬فتحصر التلقي في حصر علاقات التبادل‬
   ‫البلاغية؛ إذ ينتقل من السائد المكرر في النص إلى‬                                         ‫والاختيار‪.‬‬
‫دلالة إنسانية ووجهة فلسفية أعمق يحاول صاحب‬
                           ‫المحاورات أن يجلوها‪.‬‬         ‫تلقي الاستعارة لدي جادامر عيني‪ ،‬بمعنى أننا عند‬
        ‫فإذا ما جرى العرف البلاغي والنقدي على‬             ‫التلقي نؤول الحاضر في النص وحسب بحثًا عن‬
   ‫استحسان الأسلوب المرسل في الكتابة‪ ،‬لاعتباره‬            ‫المعنى الكامن في النص‪ ،‬وفي رأيي يتضح هذا من‬
    ‫علامة رشاقة وإيثار للمعنى على حساب التقيد‬              ‫خلال تأملنا في قول جادامر‪« :‬لا أعتقد بصواب‬
  ‫بأغلال البديع من جناس وسجع وطباق ومقابلة‪،‬‬                   ‫استحضار التقليد الاستعاري القديم للشعر‬
‫على خلاف ذلك يذهب ناصف مؤو ًل لتقاليد السجع‬                                             ‫الباروكي»(‪.)54‬‬
    ‫والجناس باعتبارها أداة صهر‪ ،‬وكشف لحجب‬
  ‫العالم‪ .‬من خلال الاتكاء على اللغة‪ ،‬ويجعلها أمارة‬     ‫فالشعر الباروكي هو ذلك النمط الشعري الذي ظهر‬
    ‫توفيق علمي‪ .‬يخفي صعوبة التواصل‪ .‬في زمن‬                ‫في أوروبا من نهاية القرن السادس عشر وحتى‬

‫اختلفت فيه مفاهيم الثقافة‪ ،‬وسعى فيه الكتاب لنفي‬        ‫بداية القرن الثامن عشر(‪ ،)55‬وهو ذلك النوع الأدبي‬
‫فكرة الخبر؛ بإدخال أساليب متعددة‪ ،‬حيث تتداخل‬         ‫الخطابي الذي يحمل فائ ًضا في الزخارف اللفظية‪ ،‬وقد‬
 ‫الأمثال والشعر والغريب في بوتقة واحدة‪ ،‬وتتوالى‬
                                                        ‫استفاد أصحاب هذا النمط الشعري من الاستعارة‬
  ‫الكلمات بأصواتها المتكررة لتوميء باستمرار إلى‬      ‫بوصفها بنية تحمل تشبيهات خفية معقدة‪ ،‬على خلاف‬
‫التكسر والارتطام‪ ،‬في جو من الكوميديا‪ ،‬ففي تحلل‬
 ‫الكلمات وتواليها متفقة في اللفظ مختلفة في المعنى‪،‬‬      ‫الاستعمال التقليدي لها من حيث القرب بين المشبه‬
‫يتركب المعنى من جزأين‪ :‬الجزء الأول واضح‪ ،‬لكن‬                                              ‫والمشبه به‪.‬‬
‫ليس هو المطلب الوحيد‪ ،‬إذ الوضوح لا بد أن يلتبس‬
                                                        ‫ومن هنا يمكن للباحث أن يشير إلى فارق جوهري‬
 ‫بالغموض والقرب لا بد أن ينازعه البعد(‪ ،)57‬ليعاد‬     ‫بين التلقي التقليدي لبنية الاستعارة وتلقي جادامر‪ ،‬لا‬
      ‫تهذيب المعاني في ضوء الإشكال لا الوضوح‪.‬‬        ‫يبحث جادامر عن علاقة واضحة وقريبة بين لفظتين‪،‬‬

 ‫الجناس والسجع وغيرهما مما اصطلح البلاغيون‬               ‫بل يبحث عن معنى خفي‪ ،‬يتتبعه من خلال النص‬
      ‫على تسميته بالمحسنات المعنوية في محاورات‬       ‫ككل‪ ،‬مرك ًزا على رمزية اللغة وفاعليتها لصناعة المعنى‪.‬‬

   ‫ناصف أداة كشف لحجب الدنيا الغريبة في نظر‬             ‫تلك الحركة الدائرة تجعل من اللغة الشعرية جس ًدا‬
  ‫الكتاب‪ ،‬يقول ناصف‪« :‬الدنيا في نظر بديع الزمان‬         ‫قائ ًما بذاته‪ ،‬وليس طلا ًء يحال على معنى أخر‪ ،‬للغة‬

    ‫غريبة كاللفظ الغريب والمجازات المتلاحقة التي‬          ‫الأدب وف ًقا لجادامر فاعليتها ووحدتها الخاصة‪.‬‬
      ‫يدافع عنها‪ ،‬يجب على بديع الزمان أن يوسع‬         ‫ويمكننا في ضوء ذلك أن نقرأ قول ناصف‪« :‬إن تعمق‬
                                                      ‫الاستعارة يم ِّكن أبا حيان من التجريب المستمر‪ ..‬لكن‬
   ‫المسافة بين الألفاظ والمعاني‪ ..‬لماذا استعمل بديع‬    ‫أبا حيان يرى التجربة العميقة استعارة‪ ..‬يذكرنا أبو‬
‫الزمان السجع؟ لقد مورس السجع طوي ًل واختلفت‬          ‫حيان بضرورة الارتياب في مفهوم المطابقة أو الوضع‬
                                                     ‫يذكرنا بضرورة تحرك الكلمات لتبعث من جديد‪ ..‬لقد‬
  ‫حقائقه مع الزمان‪ :‬كان السجع آ ًنا دفعة أو فورة‬       ‫عاد أبو حيان إلى مسألة التأويل‪ .‬المقصد من التأويل‬
     ‫أو حكمة‪ ،‬وكان السجع عند بديع الزمان جز ًءا‬
       ‫من الاستخفاء‪ ..‬بحث عن الحرفة المستطرفة‬                ‫أو للاستعارة أن يعرف للاشتباه مكانه»(‪.)56‬‬
                                                         ‫كما لا تعرف بلاغة التأويل تلك التقسيمة الثلاثية‬
   ‫اللعوب يتحلى بها الضعفاء غير المسموعين‪ ،‬ماذا‬       ‫للبلاغة العربية‪ :‬معاني‪ ،‬وبيان‪ ،‬وبديع‪ .‬ولا بين ما ُع َّد‬
   ‫يصنع الأديب الذي لا يجد أذنا مصغية؟ يسجع‬          ‫زينة شكلية أو بديعية‪ .‬أو بين ما هو صوتي ومعنوي‪.‬‬
                                                        ‫كل الأبنية تتفاعل فيما بينها لتجلو حقيقة في النص‬

                                                                                              ‫خبيئة‪.‬‬
   40   41   42   43   44   45   46   47   48   49   50